وعلاقاتهم بعضهم ببعض، وتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة1؛ فشريعة الله هي المنهج الحق المستقيم الذي يصون الإنسانية من الزيغ والانحراف، ويجنبها مزالق الشر، ونوازع الهوى، وهي المورد العذب الذي يشفي غلتها، ويحيي نفوسَها، وترتوي به عقولها، ولهذا كانت الغاية من تشريع الله استقامة الإنسان على الجادة؛ لينال عز الدينا وسعادة الآخرة.
والشريعة بهذا المعنى خاصةٌ بما جاء عن الله تعالى، وبلغه رسلُه لعباده، والله هو الشارع الأول، وأحكامه هي التي تسمى شرعا، فلا يجوز إطلاق هذا على القوانين الوضعية؛ لأنها من صنع البشر، وقد جرى عرف كثير من الكاتبين على تسمية القوانين الوضعية بالتشريع الوضعي، وتسمية الوحي الإلهي بالتشريع السماوي، والحق أن الشرع أو الشريعة لا يجوز إطلاقها إلا على الطريقة الإلهية دون سواها من طرائق الناس وأنظمتهم.
مكان الشريعة الإسلامية بين الشرائع السماوية الأخرى:
خلق الله الناس وفَطَرَهم على الإيمان به، وركز في طباعهم من الغرائز والميول ما يعرض حياتهم للانحراف عن الحق تحت تأثير النزعات الجامحة والأهواء المختلفة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} 2، "كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" "متفق عليه". وذلك هو العهد الذي أخذه الله على بنى آدم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} 3. فاقتضت حكمة الله أن يصطفي من عباده رسلًا يرُدُّون الناس إلى فطرتهم ويرشدونهم