المثل العليا في تقويم الأخلاق، والاهتداء بهدي الله حتى تقوم عليهم الحجة: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 1.

وكانت رسالة كل رسول قاصرة على قومه، خاصة في إصلاح ما فسد من عقائدهم وأخلاقهم، والعمل على تهذيب نفوسهم وأرواحهم، بمرجعهم إلى فطرة التوحيد؛ حيث كانت المجتمعات الإنسانية في أطوارها الأولى محدودة المطالب، بدائية النشأة، سطحية التفكير محصورة في نطاق بيئتها: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِير} 2، ولم يك أمر الناس في المعاملة متشعب النواحي، ضيق المسالك حتى تحتاج الخليقة إلى نظم تذلل بها عقبات الحياة، وتحل مشاكلها فلم يشأ الله البقاء لرسالة رسولٍ قبل محمد صلى الله عليه وسلم؛ كي تحمل عناصر الخلود، فكانت شريعة كل رسول خاصة بقومه للمحافظة على عقيدة التوحيد التي فطر عليها الخلق في عبودية الإنسان لله وحده رب العالمين، وتقويم حياتهم على هدى من الله.

فلما نمت معارف الإنسان، واتسعت مطالبه، وتعقدت أمامه مشاكل حياته، أذن الله بفجر دين جديد يلقي أضواءه على جوانب الحياة كلها؛ ليكتمل صرح الحضارة الإنسانية التي بناها رسل الله، فكان هذا الدين هو شريعة الإسلام: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتمة النبيين" "متفق عليه".

وأخذ الله على أنبيائه بذلك العهد والميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} 3.

فالوحي الإلهي المتتابع يمثل نهرا تكونت له روافد، وتفرعت جداول، تروي ما يذبل من أيك العقيدة، وما يجف من أعواد الفضيلة لتبقى خصائص الإنسانية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015