الحريم، ودخلوا من باب النُّوبي، فركب الخليفة لابسًا السواد، وعلى كتفه البردة، وعلى رأسه اللواء، وبيده سيف، وحوله زمرة من العبّاسيين والخدم بالسيوف المسلولة1، فرأى النهب إلى باب الفردوس من داره، فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق، فوجده قد استأمن إلى قريش، فعاد وصعد إلى المَنْظَرة، وصاح رئيس الرؤساء: يا علم الدين -يعني قريشًا- أمير المؤمنين يستدنيك، فدنا منه، فقال: قد أنالك اللَّه منزِلةً لم يُنَلها أمثالك، أمير المؤمنين يستذمُّ منك على نفسه وأصحابه بذِمام اللَّه وذِمام رسوله وذِمام العربيّة.
قال: نعم. وخلع قَلَنْسُوَتَهُ فأعطاها للخليفة، وأعطى رئيس الرؤساء مِخصرةً ذِمامًا، فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه2. فأرسل إليه البساسيريّ: أتُخالِفُ ما استقرَّ بيننا؟ فقال قريش: لَا.
ثُمَّ اتفقا على أن يُسلَّم إليه رئيس الرؤساء ويترك الخليفة عنده، فسلَّمه إليه، فلما مَثُلَ بين يديه قال: مرحبًا بمهلك الدول ومُخرّب البلاد.
فقال: العفو عند المقدرة.
قال: قد قدرت أنت فما عَفَوْت، وأنت صاحب طيلسان، وركبت الْأفعال الشنيعة مع حُرَمي وأطفالي، فيكف أعفو أنا، وأنا صاحب سيف؟ وأمَّا الخليفة فحمله قريش إلى مخيّمه، وعليه البُرْدة وبيده السيف، وعلى رأسه اللِّواء، وأنزله في خيمه، وسلّم زوجته بنت أخي السلطان طغرلبك إلى أبي عبد اللَّه بن جردة ليقوم بخدمتها.
ونُهِبت دار الخلافة وحريمها أيّامًا3.
وسلّم قريش الخليفة إلى ابن عمِّه مهارش بن مجلّي، وهو دينٌ ذو مروءة، فحمله في هودج وسار به إلى حديثة عانة، فنزل بها4.
وسار حاشية الخليفة على حامية إلى السلطان طغرلبك مستنفرين له.
ولمَّا وصل الخليفة إلى الأنبار شكى البرد، فبعث يطلب من متوليها ما يلبس،