فَقَالَ: هُوَ لم ير مثل نفسه، فكيف أنا؟ رواها الخطيب فِي تاريخه عَنْ أَبِي الوليد الباجي، عَنْ أَبِي ذَرّ، فهذا من رواية الكبار عَنِ الصغار.

وكان عَبْد الغني الْمَصْرِيّ إذا حكى عَنِ الدَّارَقُطْنيّ يَقُولُ: قَالَ أستاذي، قَالَ الخطيب، سَمِعْتُ أَبَا الطيب الطَّبَرِي يَقُولُ: الدَّارَقُطْنيّ أمير المؤمنين فِي الحديث.

وقَالَ الخطيب: قال لي الْأزهري: "كَانَ"1 الدَّارَقُطْنيّ ذكيا، إذا "نُوكِر"2 شيئًا من العلم أي نوع كَانَ وُجِد عنده من نصيب وافر. ولقد حَدّثَنِي مُحَمَّد بن طلحة النِّعَالي أَنَّهُ حضر مَعَ الدَّارَقُطْنيّ دعوة، فجرى ذِكْر الْأكَلَة، فاندفع الدَّارَقُطْنيّ يورد أخبار الْأكَلَة ونوادرَهم، حتى قطع أكثر ليلته بذلك. وقال الأزهري: رأيت الدارقطني أجاب ابن أبي الفوارس عَنْ علّة حديث أو اسم، ثم قَالَ: يا أَبَا الفتح لَيْسَ بين الشروق والغرب من يعرف هذا غيري.

وقَالَ البَرْقَاني: كَانَ الدَّارَقُطْنيّ يُمْلي عَليّ العِلَل من حفظه، فمن أراد أن يعرف قدر ذَلِكَ، فليطالع كتاب العلل للدَّارَقُطْنيّ، ليعرف كيف كَانَ الحُفّاظ.

قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الدارقطني يَقُولُ: ما فِي الدُّنيا شيء أبغض إليّ من الكلام. ونقل ابن طاهر المقدسي أنهم اختلفوا ببغداد، فَقَالَ قوم: عثمان افضل، وقَالَ قوم: عَلِيّ أفضل. قَالَ الدَّارَقُطْنيّ: فتحاكموا إليّ، فأمسكت، وقلت الْأمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، فدعوت الَّذِي جاءني مستفتيا، وقلت: قل لهم: عثمان أفضل باتفاق جماعة أصحاب مُحَمَّد -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا قول أهل السُّنَّة، وأول عقْد يُحِلَّ من الرفض.

قَالَ الخطيب: فسألت البَرْقَاني: هَلْ كَانَ أَبُو الْحَسَن يُمْلِي عليك العلل من حِفْظِه؟ قَالَ: نعم، وأنا الَّذِي جمعتها، وقرأها الناس من نسختي. ثم قَالَ الخطيب: وحدثني العتيقي، قَالَ: حضرت الدَّارَقُطْنيّ، وجاء أَبُو الْحُسَيْن البيضاوي يغرب ليسمع منه، فامتنع واعتلّ ببعض العلل، وقَالَ: هذا رَجُل غريب، وسأله أن يُمْلِي "عَلَيْهِ"3 أحاديث، فأملى عليه أبو الْحُسَيْن من حفظه مجلسًا تزيد أحاديثه عَلَى "العشرة"4 متون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015