ومولده سنة ست وثلاثمائة.

قَالَ الحاكم: صار الدَّارَقُطْنيّ أوحد عصره فِي الحفظ والفهم والورع، وإمامًا فِي القرّاء والنحويين. وفي سنة سبعٍ وستين أقمت ببغداد أربعة أشهر، وكَثُر اجتماعنا بالليل والنهار، فصادفته فوق ما وُصِف لي، وسألته عَنِ العلل والشيوخ. وله مصنفات يطول ذكرها، وأشهد أنه لن يخلف عَلَى أديم الْأرض مثله.

وقَالَ الخطيب: كان الدارقطني فريد دهره، وقريع عصره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إِلَيْهِ فِي علم الْأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مَعَ الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم، سوى علم الحديث، منها القراءات، فإن له فيها مصنفًا مختصرًا، جمع الأصول في أبواب عقدها فِي أول الكتاب، وسمعت من يعتني بالقراءات يَقُولُ: لم يسبق أَبُو الْحَسَن إلى طريقته التي سلكها فِي عقد الْأبواب المقدمة فِي أول القراءات، وصار القرّاء بعده يسلكون ذَلِكَ، ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتابه السنن يدل عَلَى ذَلِكَ، وبلغني أَنَّهُ درّس فقه الشافعي عَلَى أَبِي سَعِيد الْإصْطَخْرِي، وقيل: عَلَى غيره، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، فقيل: إنه كان يحفظ دواوين جماعة، فحدثني حمزة بن محمد بن طاهر إنه كَانَ يحفظ ديوان السيد الحِمْيَري، ولهذا نُسِب إلى التشيع. وحدثني الْأزهري قَالَ: بلغني أن الدَّارَقُطْنيّ حضر فِي حداثته مجلس إِسْمَاعِيل الصّفّار، فجلس ينسخ جزءًا، والصّفّار يُمْلي، فَقَالَ رَجُل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فَقَالَ الدارقطني: فهمي للإملاء خِلاف فَهْمك "ثم قَالَ"1: تحفظ كم أملى الشَّيْخ؟ قَالَ: لا. قَالَ: أملى ثمانية عشر حديثًا، الحديث الْأول عَنْ فلان عَنْ فلان عَنْ فلان، ومَتْنُهُ كذا، والحديث الثاني عَنْ فلان، ومَتْنُهُ كذا، ثم مرّ فِي ذَلِكَ حتى أتى عَلَى الْأحاديث، فعجب الناس منه، أو كما قَالَ.

وقَالَ رجاء بْن مُحَمَّد المعدّل: قلت للدارقطني: رأيت مثل نفسك؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّه تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] فألححت عَلَيْهِ، فَقَالَ: لم أر أحدًا جمع ما جمعت.

وقَالَ أَبُو ذَرّ عَبْد بْن أحْمَد: قلت للحاكم ابن البيع: هَلْ رأيت مثل الدارقطني؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015