فقال: صِفتُكَ لها أحسن من غنائها، خُذْها لك. فامتنعتُ لعِلمي بمحبتّه لها، فوصلني بمقدار قيمتها.
وبَلَغَنا أنّ المعتصم لمّا تجهّز لغزو عمورية حكم المنجون أنّ ذلك طالَع نَحْس، وأنّه يُكْسَر، فكان من ظَفْرِه ونَصْرِه ما لم يَخْفَ، وفي ذلك يقول أبو تمّام قصيدته البديعة:
السَّيفُ أصدق إنباءً من الكُتُبِ ... في حَدّهِ الحَدُّ بين الْجِدّ والَّلعبِ
منها:
والعِلْم في شُهُب الأيام لامعةً ... بين الخَمِيسَيْن لا في السَّبْعةِ الشهب
أين الرواية أمّ أين النّجومُ وما ... صاغوه من زُخْرُفٍ فيها ومن كذِبِ
تخرُّصًا وأحاديثًا مُلَفْقَةً ... ليست بنَبْع إذا عُدَّت ولا غَرَبِ
وعن أحمد بن أبي دُؤَاد قال: كان المعتصم يُخرج ساعده إليّ ويقول: يا أبا عبد الله، غصّ ساعدي بأكثر قوّتك.
فأقول: ما تَطِيب نفسي. فيقول: إنه لا يُضيرني. فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسِنّة فضلًا عن الأسنان.
وانصرف يومًا من دار المأمون إلى داره، وكان شارع الميدان منتظمًا بالخِيَم، فيها الْجُنْد، فإذا امرأة تبكي وتقول: ابني ابني، وإذا بعض الجبد قد أخذ ولدها، فدعاه المعتصم، وأمره بردّ ابنها عليها، فأبى، فاستدناه، فدنا منه، فقبض عليه بيده، فسمعتُ صوت عظامه، ثمّ أطلقه فسقط وأمر بإخراج الصّبيّ إلى أمّه.
وقال أحمد بن أبي طاهر: ذكر أحمد بن أبي دُؤَاد المعتصم يومًا، فأسهب في ذِكْرِه، وأطنب في وصْفه، وذكر من سعة أخلاقه، ورضيّ أفعاله، وقال: كثيرًا ما كنتُ أُزامله في سفره.
قال أبو بكر الخطيب: ولكَثْرة عسكر المعتصم وضِيق بغداد عنه، بنى سُرّ من رأى، وانتقل إليها فسكنها بعسكره، وسُمّيت العسكر، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين.