قالت: يا أمير المؤمنين وكيف لَا أحزن على ولدٍ أكسبني مثلك.

وأُتيتُ بِمُتنبئ فقلت: مَن أنت؟ قال: أنا موسى بن عِمران.

قلت: ويْحك، موسى كانت له آيات فأْتني بها حتى أؤمن بك.

فقال: إنّما أتيت بتلك المعجزات فرعون، إذ قال: أنا ربّكم الأعلى. فإن قلت كذلك أتيتك بالآيات.

قال: وأتى أهلُ الكوفة يشكون عاملهم فقال خطيبهم: هو شرّ عاملٍ. فأمّا في أول سنةٍ فإنّا بِعْنا الأثاث والعقار، وفي الثانية بعنا الضّياع، وفي الثالثة نزحنا عن بلدنا وأتيناك نستغيث بك.

فقلت: كذبت، بل هو رجل قد حمدتُ مذهبَهُ، ورضيتُ دينَهُ، واخترتُهُ معرفةً منّي بقديم سخطكم على العمّال.

قال: صدقتَ يا أمير المؤمنين وكذبتُ أنا. فقد خصصْتنا به هذه المدة دون باقي البلاد، فاستعملته على بلدٍ آخر ليشملهم من عدله وإنصافه مثل الذي شملنا.

فقلت: قُم في غيرِ حِفْظ الله، قد عزلته عنكم.

وممّا يُنسب إلى المأمون من الشِّعر قولُهُ:

لساني كتومٌ لأسراركُمْ ... ودمعي نمومٌ لسريّ مُذِيعُ

فلولَا دموعي كَتَمْتُ الهوى ... ولولا الهوى لم تكن لي دموعُ

وكان قدوم المأمون من خُراسان إلى بغداد سنة أربعٍ ومائتين. ودخلها في رابع صفر بأبهةٍ عظيمة، وبحمْل زائد.

قال إبراهيم بن محمد بن عَرَفة النَّحْويّ في تاريخه: حكى أبو سليمان داود بن عليّ، عن يحيى بن أكثم قال: كنت عند المأمون وعنده جماعةٌ من قوّاد خُراسان، وقد دعا إلى خلْق القرآن حينئذٍ، فقال لأولئك القوّاد: ما تقولون في القرآن.

فقالوا: كان شيوخنا يقولون: ما كان فيه من ذِكْر الحمير والجِمال والبقر فهو مخلوق، وما كان من سوى ذلك فهو غير مخلوق. فأما إذا قال أمير المؤمنين: هو مخلوق، فنحن نقول: كله مخلوق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015