قال الحاجب: فأين عادةُ عَفْوِ أمير المؤمنين.

قال: أمّا هذه فنعم. ائذنوا له.

فدخل، فقال له: هل عرفت يوم قتل أخيك هاشمية هتكت؟ قال: لا.

قال: فما معنى قولك:

وممّا شجى قلبي وكَفْكَفَ عَبْرتي ... مَحارِمُ من آلِ الرسول استُحلَّتِ

ومهتوكةٌ بالجلْد عنها سُجُوفها ... كعابٌ كقرن الشمس حين تَبَدَّتِ

فلا بات لَيْلُ الشّامتين بغبطةٍ ... ولا بَلَغَتْ آمالُهم ما تَمَنَّتِ

فقال: يا أمير المؤمنين، لوعة غلبتني، وروعة فاجأتني، ونعمة سُلِبتُها بعد أن غمرتني. فإن عاقبتَ فبحقّك، وإن عفوتَ فبفضلك. فدمعت عينا المأمون وأمر له بجائزة.

حكى الصُّوليّ أنّ المأمون كان يحبّ اللّعِب بالشَّطَرَنْج، واقترح فيه أشياء.

وكان ينهى أن يقال: تعال نلعب، ويقول: بل نَتَنَاقَل.

ولم يكن بها حاذقًا، فكان يقول: أنا أدبِّر أمر الدُّنيا واتْسع لها، وأضيق عن تدبير شِبْرَيْن. وله فيها شعر:

أرضٌ مربعةٌ حمراء من أدمٍ ... ما بين إلْفَيْن معروفين بالكَرَمِ

تَذَاكرا الحربَ فاحتالا لها حِيَلًا ... مِن غير أن يأثَمَا فيها بسفْكِ دمِ

هذا يُغير على هذا وذاك على ... هذا يُغير وعينُ الحَزْم لم تَنَمِ

فانظُر إلى فطنٍ جالتْ بمعرفةٍ ... في عسكَرَيْن بلا طبلٍ ولا عَلَمِ

وقيل: إنّ المأمون نظر إلى عمّه إبراهيم بن المهديّ وكان يُلَقَّب بالتِّنّين، فقال: ما أظنّك عشقت قطّ. ثم أنشد:

وجه الذي يعشق معروفُ ... لأنّه أصفرٌ منحوف

ليس كمن يأتيك ذا جثةٍ ... كأنّه للذّبْح معلوف

وعن المأمون قال: أعياني جوابُ ثلاثة. صِرتُ إلى أمّ ذي الرّئاستين أُعزّيها فيه، فقلت: لَا تأسَيْ عليه فإنّي عوضه لك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015