فقلت للمأمون: أتفرح بموافقة هؤلاء؟ قال ابن عَرَفة: أمر المأمون مناديًا فنادى في الناس ببراءة الذّمّة ممّن ترحَّم على معاوية أو ذكره بخير.
وكان كلامه في القرآن سنة اثنتي عشرة. فكثر المنكر لذلك، وكاد البلد يفتتن ولم يلتئم له من ذلك ما أراد، فكفَّ عنه. يعني كفّ عنه إلى بعد هذا الوقت.
ومِن كلام المأمون: النّاس ثلاثة، فمنهم مثل الغذاء لَا بُدّ منه على حالٍ من الأحوال، ومنهم كالدّواء يُحْتاج إليه في حال المرض، ومنهم كالدّاء مكروه على كلّ حالٍ.
وعن المأمون قال: لَا نزهة ألذّ من النظر في عقول الرجال.
وقال: غَلَبَةُ الحُجّة أحبّ إليّ من غَلَبَة القُدرة؛ لأنّ غَلَبَة الحُجّة لَا تزول، وغَلَبَةُ القُدرة تزول بزوالها.
وكان المأمون يقول: الملك يغتفر كلَّ شيء إلّا القَدْح في المُلْك، وإفشاء السّرّ، والتعرّض للحُرَم.
وقال: أعيت الحيلة في الأمر إذا أقبل أن يُدبر، وإذا أدبر أن يُقبل.
وقيل للمأمون: أيُّ المَجالس أحسن؟ قال: ما نُظِر فيه إلى النّاس. فلا منظر أحسن من النّاس.
وكان المأمون معروفًا بالتشيُّع، فروى أبو داود المَصَاحِفيّ قال: سمعت النَّضْر بن شُمَيْلٍ يقول: دخلت على المأمون فقال: إنّي قلت اليوم:
أصبح ديني الذي أدِينُ به ... ولستُ من الغَداةِ مُعْتذرا
حبّ عليّ بعد النّبيِّ ولا ... أشتم صِدِّيقَه ولا عُمَرا
وابنُ عفانٍ في الْجِنان مع الأبرار ... ذاك القتيل مُصْطَبرا
وعائشُ الأمّ لستُ أشْتمها ... مَن يَفْتَريها فنحن منه بُرا
وَقَدْ نَادَى الْمَأْمُونُ بِإِبَاحَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ حَتَّى أَبْطَلَهَا، وَرَوَى لَهُ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنَيِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي خَيْبَرَ1. فَلَمَّا صَحَّحَ لَهُ الحديث رجع إلى الحق.