معه الأمير أُرْتُق بن أكسب صاحب حُلْوان، فلمّا وصلوا فتح زعيم الرّؤساء أبو القاسم بن الوزير أبي نصر مدينة أمِد، بعد أن حاصرها حصارًا شديدًا.
ثم فتح أبو فخر الدّولة ميافارقين بعد أشهر.
وكان رئيسًا جليلًا، مدحه الشُّعراء، وعاش نيِّفًا وثمانين سنة، وتُوُفّي بالموصل، وكان قد قدِمها متولّيا من جهة ملكشاه في سنة اثنتين وثمانين.
وكان الخليفة قد أعاده إلى الوزارة مدّة، قبل سنة ثمانين، وفي حدودها.
ووُلِد في ثالث المحرم سنة اثنتين وأربعمائة.
قال ابن النّجّار في "تاريخه": ذكر أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ أنّه نشأ بالموصل، وبها وُلِد، وكان مشتغلًا بالتّجارة، ثمّ تركها.
وصحب قِرْواش بن المقلّد بن المسيّب أمير عبادة، فلمّا قبض الأمير بركة على أخيه قِرْواش قرْبَ منه أبو نصر، وأنفذه رسولًا إلى القُسْطَنطينيّة.
ثمّ كاتَبَه ابن مروان صاحب ديار بكر، فورد عليه ووَزَرَ له في أوّل سنة ستٍّ وأربعين وأربعمائة، وذلك في آخر أيّام ابن مروان، فاستولى أبو نصر على الأمور، ووصل إلى ما لم يصل إليه غيره بشهامته وإقدامه، على صعاب الأمور، فأقام الهيبة، وأكثر العطاء والبذْل، وكاتَبَه ملوك الأطراف بالشّيخ الأجلّ النّاصح كافيّ الدّولة، ومَدَحه الشُّعَراء، وقصَدَه العلماء، فلمّا مات ابن مروان سنة ثلاثٍ وخمسين أقام ولده نصر بن أبي نصر في الإمرة، فحاربه إخوته سعيد، وأبو الفوارس، واختلفوا، فسَفَّر أبو نصر أمواله، وكاتب القائم في وزارته، وبذل له ثلاثين ألف دينار، فخرج إليه طراد النّقيب، وأظهر أنّه في رساله إلى ابن مروان، فلمّا عاد طراد من ميافارقين خرج ابن جَهير لتوديعه، فصَحِبه إلى بغداد، ومعه ولداه عميد الدّولة أبو منصور محمد، وزعيم الرّؤساء أبو القاسم، فتلقّاه أرباب الدّولة، ووَزَرَ للقائم، ولقَّبه فخر الدّولة، وكانت الخطْبة بالشّام جميعه إلى عانَة تقام للمصريّين، فكاتب فخر الدّولة أهلَ دمشق، وبني كلب ومحمود بن الروقلية صاحب حلب والمتميّزين بها وجماعتهم أصدقاؤه، يدعوهم إلى الدّعوة العبّاسيّة، فأجابوه، وجاءت رُسُلهم بالطّاعة.
قال: وعزل القائم في سنة ستّين، وأُخرج من بغداد، ورشّح للوزارة أبو يَعْلَى كاتب هزارسب، وطُلب من همذان، فأتته المنيّة بغتةً لسعادة ابن جَهير فطلبه القائم