المغرب سخيفٌ كان من بادية أشبيليّة يُعرف بابن حزم، نشأ وتعلَّق بمذهب الشّافعيّ، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكُل، واستقلَّ بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة، يضع ويرفع، ويحكُم ويُشرّع، ينسب إلى دين اللَّه ما ليس فيه، ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب عنهم، وخرج عن طريق المشبَّهة في ذات اللَّه وصفاته، فجاء فيه بطَوامٍّ، واتَّفق كونه بين قومٍ لَا بصر لهم إِلَّا بالمسائل، فإذا طالبهم بالدّليل كاعوا1، فتضاحك2 مع أصحابه منهم، وعضَّدتهُ الرِّئاسة بما كان عنده من أدب، وبشُبَهٍ كان يَورِدُها على الملوك، فكانوا يحملونه ويَحْمُونَهُ بما كان يُلقي إليهم من شُبَه البِدَع والشرع، وفي حين عودي من الرِّحلة ألفيتُ حضرتي منهم طافحة، ونار ضلالهم لافحة، فقاسيتهم مع غير أقران، وفي عدم أنصارٍ، إلى حسادٍ يطأون عَقِبي، تارةً تذهب لهم نفسي، وأخرى ينكسر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراضٍ عنهم، أو تشغيبٍ بهم، وقد جاءني رجلٌ بجزءٍ لابن حزم سماه " نكل الْإِسلام"، فيه دواهي، فجرَّدتُ عليه نواهي، وجاءني آخر برسالة في اعتقاد، فنقضتها برسالة "الغُرّة"، والَأمر أفحش من أن يُنقض. يقولون: لَا قول إِلَّا ما قال اللَّه، فإنَّ اللَّه لم يأمُر بالاقتداءِ بأحدٍ، ولا بالاهتداء بهدْي بشر، فيجب أن تتحقق أنه ليس بهم دليل، إنَّما هي سخافَةُ في تهويل، فأوصيكم بوصيّتين: أنْ لَا تستدِلّوا عليهم، وأن تطالبوهم بالدّليل، فإنّ المُبتَدِع إذا استدللت عليه شَغّب عليك، وإذا طالبته بالدَّليل لم يجد إليهِ سبيلا.

فأمَّا قولهم: لَا قول إِلَّا ما قال اللَّه، فحق، ولكن أرِني ما قال اللَّه. وأمَّا قولهم: لَا حُكم إِلَّا للَّه، فغير مُسَلَّمٍ على الْإِطلاق، بل من حُكْم اللَّه أن يجعل الحُكْمَ لغيره فيما قاله وأخبر به. صحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَإِذَا حاصرْت أَهْلَ حصنٍ فَلَا تُنزلهم عَلَى حُكْمِ اللَّه، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّه، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حْكُمِكَ" 3.

وَصَحَّ أَنَّهُ قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسنة الخلفاء "4 الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015