قرأتُ بخطّ مُحَمَّد بْن عَبْد الجليل المُوقَانيّ: قَالَ بعض العلماء [1] :

وردت إِلى آمِدَ سنة أربعٍ وتسعين [2] فرأيتُ أهلها مُطْبقين عَلَى وصف هذا الشّيخ، فقصدتُه إِلى مسجد الخَضِرِ، ودخلتُ عَلَيْهِ، فوجدت شيخا كبيرا قَضِيف الجسم [3] في حُجرة من المسجد، وبين يديه جمدان [4] مملوء كتبا من تصانيفه [5] ، فسلّمت عليه وجلست [6] ، فَقَالَ: مِن أين أنت؟ قلت: من بغداد.

فهشّ بي، وأقبل يسألني عنها، وأُخبرُه، ثُمَّ قلت: إنّما جئت لأقتبِسَ مِن علومك شيئا. فَقَالَ: وأيُّ عِلمٍ تُحِبُّ؟ قلتُ: الأدب. قَالَ: إنّ تصانيفي في الأدب كثيرة، وذاك أنّ الأوائل جمعوا أقوالَ غيرهم وبَوَّبُوها، وأنا فكلُّ ما عندي من نتائج أفكاري، فإنّني قد عملت كتاب «الحماسة» [7] ، وأبو تمّام جمع أشعار العرب في «حماسته» ، وأنا فعملت حماسة من أشعاري. ثمّ سبّ أبا تمّام، وقال: رأيتُ النّاس مُجمعين عَلَى استحسان كتاب أَبِي نُواس في وصف الخمر، فعملتُ كتاب «الخمريّات» من شِعري، لو عاش أَبُو نواس، لاستحيى أن يذكر شِعره، ورأيتهم مُجمعين عَلَى خُطَب ابنِ نُباتة، فصنّفت خُطبًا لَيْسَ للنّاس اليوم اشتغالٌ إلّا بها. وجعل يُزري عَلَى المتقدّمين، ويَصفُ نفسه ويجهِّلُ الأوائل، ويقول: ذاك الكلب. قلتُ: فأنْشِدْني شيئا. فأنشدني من «الخمريّات» لَهُ، فاستحسنت ذَلِكَ، فغضب وقال: ويلك ما عندك غيرَ الاستحسانَ؟ فقلت: فَما أصنعُ يا مولانا؟ قال: تصنع هكذا. ثمّ قام يرقص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015