في شهر جُمَادى الأولى وُلّي الإمام شهابُ الدّين أبو شامة مشيخة دار الحديث الأشرفية بعد ابن الحرستاني.
وفي أوّلها فرغت المدرسة الظّاهرية بين القصرين، فدرس بها للشافعية الإمام تقيّ الدّين ابن رزين وللحنفية الصاحب مجد الدّين ابن العديم، ووُلّي مشيخة الحديث الحافظ شَرف الدّين الدّمياطيّ، ووُلّي مشيخة الإقراء الشّيخ كمال الدّين المحلي.
وفيها بعث السلطان نائباً له على حمص عقيب موتِ صاحبها الملك الأشرف.
وفي ربيع الآخر زُلْزلت مصرُ زلزلةً عظيمة.
وعُزِل الشّهابيّ عن نيابة حلب بالأمير نور الدّين علي بن مجلي.
وفيها كان الغلاء بمصر وبلغ الإرْدَبُّ مائةً وخمسة دراهم.
وفيها أحضر بمصر إلى السّلطان طفلٌ ميِّتٌ وله رأسان، وأربعة أعيُنٌ، وأربعة أيدي، وأربعة أرجل.
وفيها كان خبر الخنّاقة بمصر، قال شمس الدّين الْجَزريّ في " تاريخه ": فيها ظهرت قتلى في خليج مصر، وفُقِد جماعة، ودام ذلك أشهراً -[10]-
حتّى عُرِف أنّ صبيةً مليحةً اسمُها غازيّة كانت تتبرج بالزَّينة، وتُطْمع من يراها، ومعها عجوز، فَتُشَاكِلُ الرّجُلَ وتقول: هذه ما يُمكنها ما تريد منها إلّا في منزلها، فإذا انطلق معها، واستقرّ في دارها، خرج إليه رجلان جَلَدان فيقتلانه ويأخذان ما عليه، وكانوا يتنقلون من موضع إلى موضع، إلى أن سكنوا على الخليج، وجاءت العجوز مرّةً إلى ماشطة مشهورة لها حلي تخرج به العرائس، فقالت لها: عندي بنتٌ ونريد أن تُصْلحي من شأنها، فجاءت بالحُليّ تحمله الجارية، ورجعت الجارية من الباب فدمّسوا الماشطة، ولمّا أبطأ خبرُها على جاريتها مضت إلى الوالي فأخبرته، فركب إلى الدّار وهجمها، فوجد غازيّة والعجوز، فأخذهما وتهددهما، فأقرَّتا، فحبسهما فجاء إلى الحبْس أحدُ الرّجُلين، فشعر به الأعوان، فأُخِذ وقُرِّر وضُرِب، فاعترف ودلّ على رفيقه وكان لهما رفيقٌ آخر له قمّين للطُّوب، كان يُلْقي فيه من يقتلانه في اللّيل فيحترق، وأظهروا أيضًا من الدّار حفيرةً مملوءةً بالقتلى، فأُنهي أمرُهُم إلى السّلطان فسُمِّروا خمستهم وبعد يومين شفع أميرٌ في الصبيّة فأُنزِلت وماتت بعد أيام.
قال: وفيها اتّفق أنّ ليلة الإثنين كانت ليلة ثاني عشر ربيع الأوّل وفيها أحضرت إلى قلعة مصر فلوسٌ كثيرة من جهة قُوص وُجِدت مطمورةً، كان على الفِلْس صورةُ ملك، وفي يده ميزان وفي يده الأخرى سيفٌ، وعلى الوجه الآخر رأس بآذان كبار وحوله أسطُر، فحضر جماعةٌ من الرُّهبان فيهم حكيم يونانيّ روميّ لا يعرف العربيّة فقرأ الأسطر، فكان تاريخ الفلس من ألفين وثلاثمائة سنة، وفيه مكتوب: أنا غلياث المُلْك، ميزان العدل والكَرَم في يميني لمن أطاع، والسّيف في شمالي لمن عصى، وفي الوجه الآخر: أنا غلياث الملك أُذُني مفتوحة للمظلوم وعيني أنظر بها مصالح ملكي.
وفيها قدِم بغدادَ النّصيرُ الطُّوسيّ للنظر في الوقوف وجمْع الكُتُب، وانحدر إلى واسط، وجمع شيئاً كثيراً لأجل الرصد.
وقتلوا ببغداد النّجم أحمد بن عِمران الباجسرائيّ، وأخذ مرارته جلال الدّين ابن الملك مجاهد الدّين الدُّوَيْدار، وكان ناظرًا على السواد، جيد -[11]-
التّصرُّف، وعظُم في دولة هولاكو، ولقَّبه بالملك، فعادى علاءَ الدّين فعقره، ثمّ إنّ ابن الدويدار بيع ما له من الغَنَم والجواميس وغير ذلك، واقترض أموالًا واستعار خيولًا، وأظهر أنّه يتصيّد ويزور المشهد وأخذ أمّه، ثمّ تسحّب إلى الشام، فانقطع عنه ضعفاء الْجُنْد ورجعوا، فقتلهم الشِّحْنة قرابوقا، وقتل كلّ من ظفر به من آحاد الأجناد.
وفيها عُزِل قرابوقا عن بغداد لكونه رافَعَ الصاحب علاء الدّين بالكذب، وولي توكال شحنة.
وسار عزّ الدّين كيكاوس ابن صاحب الرُّوم إلى قسطنطينة، إلى صاحبها الأشْكُريّ، لكونه وقع بينه وبين أخيه رُكْن الدّين قِلِج أرسلان في أمر سلطنة الروم، فاستظهر عليه الركن ففر هو في حاشيته إلى قسطنطينية، فأحسن إليه الأشكري وإلى أمرائه، وداموا في عافية، فعزموا على قتل الأشكُريّ وأن يأخذوا قسطنطينيته، ففهم فأعماهم وسجن عزّ الدّين، ثمّ طلبه بركة وذهب إليه.