-سنة أربع وخمسين وستمائة

خليفةُ الوقت المستعصم بالله، وصاحب الشّام الملك النّاصر، وصاحب مصر المُعزّ، وصاحب الكَرَك والشَّوْبك المغيث عمر ابن العادل أبي بكر ابن الملك الكامل، وصاحب المَوْصل الملك الرحيم لؤلؤ، وصاحب ميَّافارقين الكامل محمد بن غازي ابن الملك العادل، ونائب إرْبل تاجُ الدين ابِن صلايا العَلَويّ، ونائب حصون الإسماعيلية الثمانية، رضي الدين أَبُو المعالي، -[661]-

وصاحبُ صِهيون، وبرزبه مظفَّر الدين عثمان بن منكورس، وصاحب حماه الملك المنصور، وصاحب تل باشِر والرَّحبة وتدْمر وزلوبيا الأشرف موسى ابن الملك المجاهد إِبْرَاهِيم ابن صاحب حمص، وصاحب مكّة قتادة الحسني، وصاحب ماردين الملك السعيد إيل غازي الأُرْتُقيّ، وصاحب اليمن الملك المظفَّر يوسف بن عُمَر، وصاحب الرومُ رُكن الدين وأخوه عز الدين، وصاحب خُراسان وما وراء النهر والخطا القاءآن ملك التّتار.

ظهور النار بالمدينة

قال أَبُو شامة: جاء إلى دمشق كُتُبٌ من المدينة بخروج نارٍ عندهم فِي خامس جُمادى الآخرة، وكُتِبت الكُتب فِي خامس رجب، والنار بحالها بعدُ، ووصلت إلينا الكُتُب فِي شعبان، فاخبرني مَن أثق به ممن شاهدها بالمدينة أنه بلغة أنه كُتب بتَيماء على ضوئها الكُتُب، قال: وكنا فِي بيوتنا بالمدينة تلك الليالي، وكأنَّ فِي دار كلّ واحدٍ سراجًا. ولم يكن لها حَرَّ ولا لفحٌ على عِظَمها، إنما كانت آية.

قال أَبُو شامة: وهذه صورة ما وقفتُ عليه من الكُتُب: لما كانت ليلة الأربعاء ثالث جمادي الآخرة ظهر بالمدينة دَوِيٌّ عظيم ثم زلزلةٌ عظيمة فكانت ساعةً بعد ساعه إلى خامس الشَّهر، فظهرت نارٌ عظيمة فِي الحَرّة قريبًا من قُريظة نبصرها من دُورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وسالت أودية منها إلى وادي شظا مسيل الماء، وقد سدّت مسيل شظا وما عاد يسيل، والله لقد طلعنا جماعةٌ نُبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانا، وقد سَدّت الحرَّة طريق الحاج العراقي، فسارت إلى أنْ وصلت إلى الحرَّة، فوقفت ورجعت تسير فِي الشرق يخرج من وسطها مُهود وجبال نار تأكل الحجارة، فيها أُنموذج ما أخبر الله: " إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ". وقد أكلت الأرض. ولها الآن شهر وهي فِي زيادة، وقد عادت إلى الحرار فِي قُريظة طريق الحاج إلى بُحيرة العراقي كلها نيران تشتعل نبصرها فِي الليل من المدينة كأنها -[662]-

مشاعل، وأما أمُّ النيران الكبيرة فهي جبال نيران حُمر، وما أقدر أصف هذه النار.

ومن كتاب آخر: ظهر فِي شرقي المدينة نارٌ عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض، وسال منها وادٍ من نار حتى حاذت جبل أُحُد، ثم وقفت. ولا ندري ماذا نفعل. ووقت ظهورها دخل أهلُ المدينة إلى نبيهم صلى الله عليه وسلم مستغفرين تائبين إلى ربّهم.

وفي كتاب آخر: في أول جُمادى الآخرة ظهر بالمدينة صوت كالرعد البعيد، فبقي يومين، وفي ثالث الشهر تعقبه زلزال فتقيم ثلاثة أيّام، يقع فِي اليوم والليلة أربع عشرة زلزلة. فلما كان يوم خامسة انبجست الأرض من الحرَّة بنارٍ عظيمة يكون قدرها مثل مَسْجِدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي برأي العين من المدينة تُشاهد، وهي ترمي بشَرَر كالقصر. وهي بموضع يقال له أحلين، وقد سال من هذه النار وادٍ يكون مِقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال، وعُمقه قامةٌ ونصف، وهو يجري على وجه الأرض وتخرج منه أمهاد وجبال صغار، ويسير على وجه الأرض، وهو صخر يذوب حتّى يبقى مثل الآنك، فإذا خمد صار أسود، وقبْل الخمود لونه أحمر، وقد حصل إقلاعٌ عن المعاصي وتقرُّبٌ بالطاعات. وخرج أمير المدينة عن مظالم كثيرة.

ومن كتاب قاضي المدينة سِنان الحُسينيّ يقول فِي التاريخ: لقد واللهِ زُلزِلت مرة ونحن حول الحُجْرة النَّبوية، فاضطرب بها المِنبر والقناديل. ثم طلع في رأس أحلين نارٌ عظيمة مثل المدينة العظّيَمة، وما بانت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها، وطلعتُ إلى الأمير وكلمته وقلت: قد أحاط بنا العذاب، ارجعْ إلى الله. فأعتقَ كل مماليكه وردّ على جماعةٍ أموالهم. فلما فعل ذلك قلت: اهبط معنا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فهبط وبتنا ليلة السّبت، النّاسُ جميعُهم -[663]-

والنّسوانُ وأولادُهم، وما بقي أحدٌ لا فِي النَّخل ولا فِي المدينة إلا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وأشفقنا منها، وظهر ضؤوها إلى أن أُبصرت من مكة، ومن الفَلاة جميعها. ثم سال منها نهرٌ من نارٍ، وأخذ في وادي أُحلين وسد الطريق، ثم طلع إلى بحرة الحاج، وهو بحرُ نارٍ يجري وفوقه حرَّة تسير إلى أن قطعت وادي الشَّظاة، وما عاد يجيء فِي الوادي سيْلٌ قط لأنَّها حرة، تجيء قامتين وثلث عُلُوُّها. واللهِ يا أخي إن عيشتنا اليوم مكدَّرة، والمدينة قد تاب أهلُها ولا بقي يُسمع فيها ربابٌ ولا دُف ولا شُرْب. وتمّت تسير إلى أن سدت بعض طريق الحاج، وكان في الودي إلينا منها قَتِير، وخفنا أن تجيئنا، واجتمع الناس وباتوا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة وقد طُفِئ قَتِيُرها الَّذِي يلِينا بقُدرة الله، وإلى الساعة ما نقَصَتْ بل ترمي مثل الجمال حجارةً من نار، ولها دوِيّ، ما تدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب، وما أقدِر أصِف لك عظَمَها ولا ما فيها من الأهوال. وأبصرها أهلُ ينبُع، ونَدَبوا قاضيهم ابنَ أسعد، وجاء وغدا إليها، وما أصبح يقدر يصفُها من عِظمها، وكتب يوم خامس رجب، والشمس والقمر من يوم طلعت ما يطلعان إلا كاسِفين.

ومن كتاب آخر من بعض بني الفاشاني يقول: جرى عندنا أمرٌ عظيم. إلى أن قال في النّار: ظهر دخان عظيم في السماء ينعقد حتى يبقى كالسحاب الأبيض إلى آخر النهار ظهر للنّار ألسُنٌ تصَّعَّد فِي الهواء حمراء كأنها العَلَقة، وعظُمت ففزع الناس إلى المسجد، وابتهلوا إلى الله، وغطَّت حُمرةُ النار السماءَ كلَّها حتى بقي الناس فِي مثل ضوء القمر، وأيقنا بالعذاب. وصعِد القاضي والفقيه إلى الأمير يعِظُونه فطرح المكس، وأعتق رقيقه كلَّهم، ورد علينا كلَّ ما لنا تحت يده، وعلى غيرنا، وبقيت كذلك أيّامًا، ثمّ سالت في وادي أُحلين تتحدر مع الوادي إلى الشَّظاة، حتى لحِق سَيَلانُها ببَحْرة الحاج، والحجارةُ معها تتحرَّك وتسير حتى كادت تقارب حرَّة العِراض، ثمَّ سَكَنتْ ووقفت أيامًا، ثم عاد يخرج منها ترمي بحجارة من خلفها وأمامها حتى بَنَتْ جبلين خلفَها وأمامها، وما بقي يخرج منها من بين الجبلين، لسانٌ لها أيامًا. -[664]-

ثمّ إنّها عظُمت الآن وشبَاها إلى الآن، وهي تتقد كأعظم ما يكون، ولها كل يوم صوتٌ عظيمٌ من آخر الليل إلى ضَحْوِة، والشمس والقمر كأنهما منكسفان إلى الآن، وكتب هذا ولها شهر.

قلت: أمر هذه النار متواتر، وهي مما أخبر به المصطفى صلوات الله عليه وسلامه حيث يقول: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تُضيء لها أعناق الإبل بِبُصرى " وقد حكى غيرُ واحدٍ ممن كان بِبُصْرى فِي الليل ورأى أعناق الإبل فِي ضوئها.

وقال أَبُو شامة: وفي ليلة السادس عشر، كذا قال، من جُمادى الآخرة خُسف القمر أول الليل، وكسفت الشمس في غده، كذا قال، وقال احمرَّت وقت طلوعها وغروبها. وبقيت كذلك أيامًا متغيرة ضعيفة النور، واتضح بذلك ما صوره الشّافعيّ من اجتماع الكسوف والعيد.

قلت: هذا الكلام فيه بعض ما فيه، وقوله: " كُسفت الشّمس في الغد " دعوى ما علِمتُ أحدًا وافقه عليها ولا ورَّخها غيره، ثم بيَّن مسْتنده باحمرار الشمس وضعف نورها، وهذا لا يُسمى كسوفًا أبدًا، ولقد كنتُ فِي رحلتي إلى الإسكندرية وأنا فِي المركب أنظر إلى الشمس قبل غروبها بساعة، وهي كأنها نحاسةٌ حمراء ما لها من النور شيء أصلًا إلى أن تتوارى، وذلك لكثافة الأبخرة الأرضية، ومثل هذا إذا وقع لا تُصلى له صلاةَ الكسوف، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ نَسْمَعْهُ سَمَّى ذَلِكَ كُسُوفًا فِي وَصْفِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالآيَةِ الَّتِي ميَّزها بِهَا فَقَالَ: " إِنَّ الشَّمْسَ تطلُع مِنْ صَبِيحَتِهَا وَلا شُعاع لَهَا " وَأَمَّا كُسُوفُ الشّمس والقمر فشيءٌ ظاهر يبدو قليلًا قَلِيلا فِي القُرص إِلَى أَنْ يَذْهَبَ نُورُهُمَا وَلَوْنُهُمَا، وَتَظْهَرُ الْكَوَاكِبُ بالنَّهار. وَقَدْ يَكُونُ كُسُوفًا نَاقِصًا فَيَبْقَى شَطْرٌ مِنَ الشَّمْسِ كَاسِفًا، وشطرٌ نَيِّرًا.

وَأَمَّا حِسَابُ أَهْلِ الْهَيْئَةِ لِذَلِكَ فَشَيْءٌ ما علمْتُه يخرم أَبَدًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ -[665]-

حِسَابٌ قَطْعِيٌّ، وَمَنْ نَظَرَ فِي مُسْتَنَدِهِمْ جَزَمَ بِهِ، بخلاف قَوْلُهُمْ فِي تَأْثِيرِ الْكُسُوفِ فِي الأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ عَظِيمٍ، أَوْ حَادِثٍ كَبِيرٍ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الإِفْكِ والزُّور والهذَيان الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ، وَذَلِكَ التَّأْثِيرُ عند المنجّمين ظنٌُّ وحدْس؛ والظّن أكذب الحديث، وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لا يُكْسفان لِمَوْتِ أحدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، ولكنَّهما آيَتَانِ يُخَوِّفُ اللهٌ بِهِمَا عِبَادَهُ ".

غرق بغداد

زادت دجلة زيادة مهولة إلى الغاية لم يُعهد مثلها إلا من زمان، فغرق خلْقٌ كثيرٌ من أهل بغداد، ومات خلقٌ تحت الهدْم، وركب الناس في المراكب واستغاثوا بالله تعالى وعاينوا التَّلف، فنقل أَبُو شامة قال: جاء كتاب من المدينة النبوية من بعض بني الفاشاني يقول فِيهِ: وصل إلينا من العراق نجَّابةٌ في جُمادى الآخرة، وأخبروا عن بغداد أنه أصابها غرَقٌ عظيم حتَّى دخل الماءُ من أسوار بغداد، وغرق كثيرٌ من البلد، وانهدمت دار الوزير، وثلاثمائة وثمانون دارًا، وانهدم مخزن الخليفة، وهلك شيء كثير من خزانة السلاح، وأشرف الناس على الهلاك، وعادت السُّفُن تدخل إلى وسط البلد وتتخرق أزِقّة بغداد.

وقد وقع مثل هذا الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمائة أيضًا، وبعد ذلك غير مرة، فقد غرقت بغداد عدّة مرّات.

وفيها كانت فتنة الكرْخ فِي ذي الحجة، قتل أهل الكرْخ رجلًا من قطَفْتا فحمله أهلُه إلى باب النُّوبيّ، ودخل جماعة إلى الخليفة وعظموا ذلك، ونسبوا أهل الكرْخ إلى كل فساد، فأمر بردعهم، فركب الجُند إليهم وتبعَهم الغوغاء فنُهب الكرْخ وأُحرقت عدّة مواضع، وسبوْا العلويّات وقتل عدّة، واشتدّ الخَطْبُ ثم أُخْمِدت الفتنة بعد بلاء كبير، وصُلب قاتل الأوّل.

ونُسب إلى مجاهد الدين الدُّوَيْدار الصغير أنَّه عاملَ على خلْع المستعصم وتوليه ولده، فأسرع مجاهد الدين وحَلَف وسأل أن يواقف القائل عنه، ولبس -[666]-

الّلأمَة جُنْدُه واستوحش من الوزير، فهاشت العامَّة وعظُم الأمر، وقُتل جماعةٌ كثيرة وجُرح خلْق، ثم كتب المستعصم أمانًا بخطة للدُّويْدار فرضي.

حريق المسجد

وفي ليلة الجمعة مستَهَلّ رمضان احترق مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ابتداء حريقه من زاويته الغربيَّة بشمال، دخل بعض القوام إلى خزانة ومعه مُسْرجة فعلقت فِي الآلات، ثم اتصلت بالسَّقف سريعًا، ثم دبَّت فِي السقوف آخذةً نحو القِبْلة، وعجز الناس عن إطفائها، فما كان إلا ساعة حتى احترقت سقوف المسجد كلها، ووقعت بعض أساطينه وذاب رصَاصُها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحترق سقْف الحُجْرة النبوية، ووقع ما وقع منه فِي الحُجْرة، وترك على حاله لما شرعوا فِي عمارة سقْفها وسقْف المسجد، نقل هذا أَبُو شامة وغيره.

ومما قيل فِي ذلك:

لم يحترق حرَمُ الرسول لحادثٍ ... نخشى عليه ولا دهاه العار

لكنّما أيدي الرّوافض لا مَسَتْ ... ذاك الجناب فطهّرته النار

وفيها كان خروج الطاغية هولاكو بن تولي بن جنكزخان، فسار فِي المغول من الأردو فملَكَ الألَموت وقلاع الإسماعيلية التي بنواحي الرّيّ.

قال ابن الساعي: بعث هولاكو إلى مقدمة الباطنيّة رُكن الدّين فبعث أخاه في ثلاثمائة فقتلهم هولاكو وتهدد رُكن الدين، فنزل إليه بأمان، ثم قتله وخرب قلعته، ثم خرب الألَموت وسائر قلاع الباطنية، ثم ترحل قاصدًا العراق وسيَّر باجونُويْن إلى الروم فانهزم صاحبُها إلى بلاد الأشكري فملكت التّتار سائر الروم، ونهبوا وقتلوا وفعلوا الأفاعيل.

وتوجّه الملك الكامل محمد ابن شهاب الدين غازي صاحب ميَّافارقين إلى خدمة هولاكو، فأكرمه وأمنه وأعطاه فَرَمَانًا ورجع إلى بلده.

وفيها فُتحت المدرسة النّاصرية بدمشق عند الفراغ من بنائها، وحضر الدرس يومئذ السّلطان.

وفيها شرعوا فِي بناء الرباط النّاصري، واحتفلوا له، وجابوا له الحجر -[667]-

الأصفر من بلد حلب.

وفيها تواترت الأخبار بوصول هولاكو بجيشه إلى أذْربَيْجان يقصدون العراق، فوردت قُصّاد الديوان العزيز على نجم الدّين الباذرائيّ بدمشق بأن يتقدم إلى الملك النّاصر بمصالحة الملك المُعزّ، وأن يتفقا على حرب التّتار، فأجاب النّاصر إلى ذلك، ورد عسكره من غزّة فدخلوا دمشق.

وفيها عُزل بدرُ الدّين السَّنْجاري عن قضاء ديار مصر، ووُلّي تاجُ الدّين ابن بنت الأعزّ.

وكانت للملك النّاصر داود ابن المعظَّم وديعة عند الخليفة، فتوقَّف فِي ردِّها واحتجّ بحُجج باردة، وجَرَت أمورٌ قبيحة لم يُعهد مثلها من أميرٍ فضلًا عن أمير المؤمنين، وكان النّاصر دَاوُد قد حجّ، وعاد على العراق بسببها فأُنزل بالحلة وأُجريَ عليه راتبٌ ضعيف، فعمل قصيدةً تلطف فيها وعدَّد خِدمه وخدم آبائه فما نفع، بل سيروا إليه من حاسبه على جميع ما اتصل إليه من النفقات والمأكول وما حملوه إليه من الهدايا فِي تردُّده، ثُم أوصلوا إليه شيئًا يسيرًا وقالوا: قد وصل إليك قيمة وديعتك فهاتِ خطَّك بوصوله، وأنَّك لم يبق لك شيء، فكتب كارهًا، ولم يصل إليه من قيمتها العُشْر، وسافر فاجتمع عليه جماعةٌ من الأعراب وخدموه وأرادوا به التوصُّل إلى العيث والفساد فأبى عليهم، وأقام عندهم، فخاف من ذلك صاحب الشّام الملك الناصر فأحضر الملك الظاهر شاذي بن دَاوُد، وحلف له أنه لا يؤذي والده، فسار شاذي إلى أَبِيهِ وعرَّفه، فقدِم دمشق فوجد الملك النّاصر قد أوغر صدره عليه فنزل بتُربة والده بقاسيون، وشَرَط عليه أن لا يركب فرَسًا، ثمّ أذن له في ركوب الخيل بشرط أن لا يدخل البلد ولا يركب في الموكب، واستمرَّ ذلك إلى آخر السّنة.

وفيها انهدمت خانقاه الطاحون بظاهر دمشق، فمات تحت الهدم شيخها بدر الدين المراغي وآخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015