وفيها أقطع الملك المعز لأَيْدغْدي العزيزي دمياط فوق خبزه.
وفيها جاءت الأخبار أنْ نارًا ظهرت فِي أرض عَدَن بجبالها، وكان يطير شررُها فِي الليل إلى البحر ويصعد منها دُخان عظيم فِي النهار. وخاف أهل اليمن وتاب بعضُهم.
وفيها ظهر بالمغرب خارجي وتسمَّى المستنصر بالله، وأظهر العدل، واستولى على إفريقية، وبنى برجًا وكان يجلس فيه، وكان يجلس تحته القاضي، والوزير، والمحتسب، والوالي، يقضون أمور النّاس بحيث يراهم ويسمعهم.
وفيها رجع الشريف المُرتضى الحلبي من الروم، وأحضر معه ابنة ملك الروم علاء الدين كيقُباذ، وأمها ابنة السُّلطان الملك العادل، وقد تزوجها الملك النّاصر، فعمل عُرسه عليها بدمشق، وعُملت القِباب، ولعب الجيش، واحتفلوا للعُرس احتفالًا عظيمًا.
وفيها توجه الفارس أقطايا إلى الصعيد ثانيًا فقَتل ونهب وعَسَف، ولما رجع قُتل بقلعة الجبل، وهرب حزبه من البحرية، ومَن قعد منهم قَبض عليه المُعزّ وأودعهم السجن. وركبت العزيزيَّة ونهبوا دُور البحرية. وأبطل المُعزّ يومئذٍ اسم الملك الأشرف، وأنزله إلى عماته القُطبيات. وركب الملك المُعزّ فِي دست السلطنة.
وقدِم البحرية على صاحب الشّام ورأسهم سيف الدين بَلبَان الرشيدي، ورُكن الدين بيبرس البُندقداري، فبالغ فِي إكرامهم بالعطاء والخِلع، فلزوه فِي التَّوجه إلى مصر لكونها مخَبَّطة. فقدم على الجيش الملك المعظَّّم عم أَبِيهِ، فدهمهم الشتاء بالغوْر، وزادت الشريعة، ووقع فِي حوافر خيلهم مرض. وبقوا بالغور مدة، ثم نزلوا غزة، فبذل الملك المُعزّ الأموال، ونزل العبّاسة، وخاف -[658]-
من العزيزية الذين قفزوا إلى مصر سنة ثمانٍ وأربعين، لأنه بلغه أن الملك النّاصر كاتبهم، فقبض على كبارهم، ونهب خِيمَهم. فبلغ ذلك الملك الناصر ففتر وضعُفت همّته.
وكان الفارس أقطايا قد طغى وتجبَّر بحيث إنه إذا ركب إلى القلعة يدوس موكبُه الناس ويضربونهم، ولا يلتفت على المُعزّ ولا على غيره، والخزائن بحُكمه. ثم أراد أن يسكن في القلعة وأن تُخْلَى له دار السلطنة، وطاش وأسرف، فقتله المُعزّ، وهربت مماليكه.
قال شمس الدين الجَزَري فِي " تاريخه ": فحدثني عزُّ الدين أَيْبك الفارسي فِي سنة تسع وسبعين قال: طلع أستاذنا إلى القلعة فِي شَعْبان على عادته، فرتب له المُعزّ عشرةً مِنهم مملوكه قُطُز، الَّذِي تسلطن، فقتلوه، فركبت البحرية وغلمان الفارس فبلغوا سبعمائة وأتوا القلعة، فرمى برأس الفارس إليهم، فهرب طائفة إلى الكَرَك إلى الملك المغيث، وطائفة إلى الشام، وطائفة طلبوا الأمان. وكنت أنا وخُشْداشي فِي اثنى عشر مملوكًا قد أخذنا كل واحدٍ فرسًا وَجَنبيًا وهجينًا، وطلعنا من القاهرة فِي الليل، وَقَصَدْنا البرِّية، فوقعنا فِي تيه بني إسرائيل، فبقينا خمسة أيام فِي البرية، ونَحَرْنا بعض الهجَن فأكلناه، ثم سِرنا يومًا وليلةً، فلاح لنا فِي اليوم السابع عمارةٌُ فقصدناها، فلقينا صورة مدينةٍ بأسوارٍ وأبواب جميعها زجاج أخضر، فدخلناها فوجدنا الرمل ينبعُ فِي أماكن منْهَا، وبعضه قد وصل إلى السُّقُوف، وأكثر الأسواق ما فيها رمل بل الدكاكين على حالها، وفيها قماش، فكنّا نمَسُّه فيصير هَبَاءً، وكذلك أخشاب السُّقوف حتى النُّحاس قد تفتتِ. ووجدنا صينية نُحاس فيها ميزان، فحين رفعناها تفتتت، ووجدنا فيها تسعة دنانير عليها صورة غزال وعليها حروف عبراني. فبقينا يومنا ندور فِي تلك المدينة إلى أن وجدْنا أثر رشَحٍ، فحفَرْنا نحو ذراعين، فظهرت بلاطة فقلعناها، فإذا صهريج ماء، فشربنا وسقينا الدواب، ونَحرنا فرسًا وهجينًا، وشوينا اللهم على الشيح، ثم تزوَّدنا من الماء ونحن -[659]-
لا ندري إلى أَيْنَ نتوجَّه، فسِرنا يومًا وليلة، فوقعنا على قبيلة عرب من بني مهدي، فوصَّلُونا إلى الكَرَك، فأكْرمنا المغيث ثم قصدنا يهوديَّا لنصرف الدنانير وحكينا له، فصاح وغُشي عليه، ثم قال: هذا ضُرب فِي زمان مُوسَى عليه السلام، وهذه المدينة بُنيت لما كان مُوسَى فِي التِّيه بالزجاج الأخضر عِوَض الحجارة، وقد حصل لها طوفان رملي، فتارةً ينقُص الرمل فتظهر جدرانها، وتارةً يغطيها الرمل، فبعناه الدينار بمائة دِرهم، وأضافَنَا وأعلَمَ يهودَ الكَرَك بنا، فكانوا يأتوننا ويسألونا ويقولون: هذه المدينة الخضراء التي بناها مُوسَى.
قال الجَزَري: ثم حَجَجْت أَنَا فاكتريتُ من معَان مع شخص من بني مهدي إلى القدس فسألته، فقال: نحن بحذاء التيه، وأنا ما رَأَيْت شيئًا، ولكنْ أخبرني أَبِي أنه تصيَّد فِي التِّيه فوقع بمدينة خضراء ورأى حيطانها زجاجًا أخضرَ.
قال: فلما رجعتُ أعلمتُ قومي، فأخذوا جمالًا وأوسقوها زادًا وماءً، ثم قصدنا تلك الأرض فلم نرها وغُيِّبت عنا. وبعد كل مدة يراها واحدْ مصادفة. ويقصد لها عرب تلك الناحية باليهود ليزوروها فقلَّ من يراها.
وفيها حارب صاحب المَوْصِل العدوية، وقتل خلقًا، وأسر عدّة فصلب منهم مائة نفُس، وذبح مائة، وقُتل كبيرهم وعُلِّق. وبعث من نبش الشَّيْخ عديا وأحرق عظامه. أنبأني بذلك الظهير ابن الكازروني فِي " مجموع ".
ووثب غانم بن راجح بن قتادة الحَسَنيّ فِي مكة بأبيه فقيَّده وزعم أنه جُنَّ، فسأله أن يُخلّي سبيله، فأعطاه جَمَلًا فركبه وهرب، وتمكن غانم بمكّة.