استُهلَّت والملك العادل مُخيّم عَلَى الطُّور، وابنه المعظم مباشر للعمارة.
وجاء الخبر من جهة طرابُلُس بأنّ الأخبار تتابعت إليها في البحر أنّ ابن عَبْد المؤمن كسر الفرنج بأرض طُلَيْطِلَة كسرةً عظيمة أباد فيها خلقاً منهم، ونازل طليطلة.
قَالَ أَبُو شامة: وفيها كانت زلزلة عظيمة هدمت أماكن بمصر والقاهرة وأبرجة ودُورًا بالكَرَك والشوبك، وهلك جماعة.
قَالَ: وفيها قَدِمَ رَسُولٌ من جلال الدّين حسن صاحب الألموت يخبر بأنهم قد تبرؤوا من الباطنيَّة، وبنوا المساجد والجوامع، وصاموا رمضان، فسر الخليفة بذلك.
وفيها أمر الخليفة بأن يُقرأ " مُسْنَد " الإمام أَحْمَد بمشهد موسى بْن جَعْفَر بحضرة صفيّ الدّين مُحَمَّد بْن سعد المُوسويّ بالإِجازة لَهُ من الناصر لدين الله.
وفيها نُهِبَ الرَّكْب العراقيّ، وكان أميرهم علاء الدِّين مُحَمَّد بْن ياقوت. وحجّ من الشّام الصّمصام إسْمَاعيل النَّجميّ بالنّاس، وفيهم ربيعة خاتون أخت العادل، فوثبت الإسماعيليَّة بمِنَى عَلَى ابن عمّ قَتادة أمير مكَّة، وكان يشبه قَتَادة، فظنّوه إياه فقتلوه عند الجمْرة، وثار عَبيد مكَّة وأوباشها، وصعدوا عَلَى جبل مِنى، وكَبّروا، ورموا النّاس بالمقاليع والنّشّاب، ونهبوا النّاس، وذلك يوم العيد وثانية، وقتلوا جماعة، فَقَالَ ابن أَبِي فراس لابن ياقوت: ارحل بنا، فلمّا حصلت الأثقال عَلَى الْجِمال حمل قتادة وعَبِيدة فأخذوا الركْب، وقَالَ قتادة: ما كَانَ المقصود إلا أنا، والله لا أبقيت من حجّ العراق أحدًا. وهربَ ابن ياقوت إِلى ركْب الشّاميّين، واستجار بربيعة خاتون، ومعه أمّ جلال الدّين صاحب -[25]- الألموت، فأرسلت ربيعة إِلى قتادة رسالة مَعَ ابن السّلار تَقُولُ لَهُ: ما ذنْب النّاس، قد قتلت القاتل، وجعلت ذَلِكَ سببًا إِلى نهْب المسلمين، واستحللت دماءهم في الشّهر الحرام والحرم، وقد عرفت مَن نحن، والله لَئِنْ لم تنته لأفعلنّ وأصنعنّ. فجاء إِلَيْهِ ابن السّلار وخوّفه وقال: ارجع عَنْ هذا وإلا قصدك الخليفة من العراق ونحن من الشّام. فكَفَّ وطلب مائة ألف دينار، فجُمِعَ ثلاثون ألفًا من العراقيّين، وبقي النّاس حول مخيّم ربيعة بين قتيلٍ وجريح، وجائع ومنهوب، وقال قتادة: ما فعل هذا إلا الخليفة، ولئن عاد أحد حجّ من بغداد لأقتلنّ الجميع.
ويقال: إنّه أخذ من النّهب ما قيمته ألفا ألف دينار، وأذِن للنّاس في دخول مكَّة، فدخل الأصِحّاء، فطافوا أيّ طوافٍ، ورحلوا إِلى المدينة، ودخلوا بغداد عَلَى غايةٍ من الفقر والهوان، ولم ينتطح فيها عنزان.
وفيها قدِم أيدغمش صاحب همذان وأصبهان والرّيّ إِلى بغداد هاربًا من منكلي، وكان قد تمكّن من البلاد، وبعُد صِيته، وكثُرت جيوشه، وحاصر أبا بَكْر بْن البهلوان، فخرج عَلَيْهِ منكلي وهو من المماليك، ونازعه الأمرَ فكثُر جموعه. وكان يوم قدوم أيدغمش إِلى بغداد يومًا مشهودًا في الاحتفال، وأقام ببغداد سنتين.