فِي المحرّم خُلِع ببغداد على أَبِي الْحَسَن علي بْن سلمان الحليّ وقُلّد قضاء القضاة.
وَفِي رابع عشر صَفَر وصل الأمير طاشْتِكين من مكَّة وَفِي صحبته أبو أيّوب حنظلة بن قتادة بن إدريس العلويّ المتغلّب أَبُوهُ على مكَّة يسأل أن يُقرّ والده على الإمارة.
وفيها خرج قَفَلٌ كبير من بغداد إِلَى الشّام، فأخذهم بزغش مملوك ابن مهارش، وقُتل من القَفَل نفرٌ يسير، فرجع التّجّار فقراء، فتقدّم الخليفة إِلَى علاء الدّين تتامش بالخروج في عسكره، فقصد بزغش وأصحابه، فظفر بهم -[951]- وقتلهم، وجيء برؤوسهم فأُلقيت بباب النّوبيّ، ورُدت الأموال إِلَى أربابها، وتأرّج عَرفُ هَذِهِ المنقبة فِي أقاصي البلاد.
وقدِم طاشتكين ليقيم للنّاس الحجّ.
وفيها سار في الرسلية مدرّس النظاميَّة يحيى بْن الرَّبِيع إِلَى شهاب الدين صاحب غزْنة.
وَفِي وسط السّنة تناقص الغلاء والوباء عَنْ إقليم مصر، وخف الإقليم من النّاس، ثُمَّ زاد النيل كما قدّمنا فِي السنة الماضية.
وفيها خرج العادل من دمشق طالبًا حلب، وكان الملك الأفضل بحمص عند صاحبها، وهو زوج أخته، فالتقى عمّه العادل إِلَى ثَنِيّة العقاب، فأكرمه وعوّضه عن مَيّافارِقين سُمَيْساط، وسَروج، وقلعة نجم، ثُمَّ نزل العادل على حماه، فصالحه الملك الظاهر، فرجع العادل.
وكان فِي شعبان زلزلة عظيمة شقَّقت قلعة حمص، وأخربت حصن الأكراد، وتَعَدَّت إِلَى قبرس، وأخربت بنابلس ما بقي.
قال العزّ النّسّابة: هذه هي الزلزلة العُظّمى التي هدمت بلاد الساحل، صور، وطرابلس، وعرقة، ورمت بدمشق رؤوس المآذن، وقتلت مغربيًا بالكلاسة ومملوكاً.
وقال سِبط ابن الجوزيّ: فيها شرع الشَّيْخ أبو عُمَر فِي بناء جامع الجبل وكان بقاسيون فاميّ اسمه محاسن، فأنفق فِي أساسه ما كان يمتلكه، فبلغ مظفّر الدّين صاحب إربل، فبعث مالًا لبنائه.
قلت: ومن ثُمَّ قيل له الجامع المظفري، ونُسب إلى مظفر الدين.
وفيها كَانَتْ قتلة المعزّ ابن سيف الإسلام صاحب اليمن، كما ذكرنا فِي ترجمته، وأقيم في المُلْك بعده أخوه الملك النّاصر.
قال ابن واصل: كان له سَرِيَّةٌ، فعصت فِي قلعةٍ منيعة، وعندها أموال لا تُحصى، ونُقِل عَنْهَا أنها ما تسلم الحصن إلا لرجل من بيت السلطان، وكان -[952]- لسعد الدّين شاهنشاه ابن الملك المظفّر عُمَر ولد يقال له سليمان، قد تفقر وحمل الركوة، وحجّ بين الفقراء، ثُمَّ إنه كاتب والدة الملك الناصر ابن سيف الْإِسْلَام، وكانت قد تغلبت على زَبِيد، وهي تنتظر وصول أحدٍ من آل أيّوب تتزّوجه وتملّكه، وبعثت إِلَى مكَّة تكشف أخبار الملوك، فكتب إليها غلامها، وعرّفها بسليمان هَذا، فاستحضرته وخلعت عليه، وتزوّجته، ومَلكته اليمن، فملأها ظلمًا وجوراً، واطرح الملكة، وأعرض عَنْهَا، وكتب إِلَى السلطان الملك العادل كتابًا أوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم}، فاستقل العادل عقله، وفكر فيمن يبعثه ليملك اليمن.