فيها مات السّلطان علاء الدّين خُوارزم شاه تكش، وقام بعده ابنه محمد.
وفيها كان الملك الأفضل والملك الظّاهر على حصار دمشق، والعساكر قائمة بمنزلتهم، قد حفروا عليها خندقًا من أرض اللّوان إِلَى يلدا احترازًا من مهاجمة الدّمشقييّن لهم، وعظُم الغلاء بدمشق، وزاد البلاء، وكادت أن تُعدم الأقوات بالكُلّيَّة، ونفذت أموال الملك العادل على الأمراء والْجُنْد، وأكثر الاستدانة من التّجّار والأكابر، وكان يدبّر الأمور بعقلٍ ومكر ودهاء، حتّى تماسك أمره، ثمّ فارقه جماعة أمراء، فكتب إِلَى ابنه الكامل: أنْ أسرعْ إليَّ بالعساكر، وخذ من قلعة جعبر ما تنفقه في العساكر، فسار الكامل ودخل جعبر، وأخذ منها أربعمائة ألف دينار، وسار إِلَى دمشق، وتَوَانى الأخَوَان عن معارضته، فدخل البلد وقوي به أَبُوهُ، وضعُف أمر الظّاهر والأفضل، ووقع بينهما على مملوك للظّاهر كان مليحًا أخذه الأفضل وأخفاه، ثمّ رحل الأفضل والظّاهر إِلَى رأس الماء وافترقا، وهجم الشّتاء، ورد الأفضل إِلَى مصر، والظّاهر إِلَى حلب، فخرج العادل يتبع الأفضل، فأدركه عند الغرابيّ من رمْل مصر، ودخل العادل القاهرة، فرجع الأفضل إِلَى صَرْخَد منحوسًا.
وكان فِي أوّل السّنة قد وَصَلَ ابن أخي السّلطان خُوارزم شاه مستغفرًا عن عمّه ممّا أقدم عليه من مواجهة الدّيوان بطلب الخطبة، فأكرم مورده.
وقال القاضي جمال الدّين ابن واصل: ثمّ سار الأفضل والظّاهر إِلَى رأس الماء، وعزما على المُقام به إِلَى أن ينسلخ الشّتاء، فتواترت الأمطار، وغلت الأسعار، فاتّفقا على الرحيل وتأخير الحصار إلى الربيع.
ودخل الأفضل مصر، وتفرّق عسكره لرعي دوابّهم، بعد أن خامَرَ منهم طائفةٌ كبيرة إِلَى العادل، ورحل العادل فدخل الرمل، فرام الأفضل جَمْعَ العساكر، فتعذّر عليه، -[940]- فخرج فِي عسكرٍ قليل، ونزل السّائح، وعمل المُصافّ مع عمّه، فانكسر وولّى، والمصريّون منهزمين، وكان بعضهم مخامرين وتخاذلوا عَنْهُ، فاضطرّ إِلَى أن ترك مصر، وتعوَّض بميَّافارقين، وحاني وسُمَيْساط، ودخل العادل القاهرة فِي الحادي والعشرين من ربيع الآخر، واجتمع به الأفضل، ثمّ سافر إلى صرخد.
ثُمَّ طلب العادل ابنه الكامل، وملك الدّيار المصريَّة، وجعل ابنه الكامل نائبًا عَنْهُ، فناب عَنْهُ قريبًا من عشرين سنة، ثمّ استقلّ بالملك بعده عشرين سنة وأشهُرًا.
وأنبأنا ابن البُزُوريّ قال: فِي ربيع الآخر التقى عسكر العادل وعسكر الأفضل، فانهزم عسكر الأفضل وهو إِلَى القاهرة، فساق العادل ونزل محاصِرًا القاهرة، فأرسل الأفضل إلى عمّه العادل يقنع منه ببعض بلاده، فقال للعادل: أريد دمشق، فلم يُجِبْه، ثُمَّ آل الأمر إِلَى أن رَضِيَ بميّافارقين وخرج من مصر، ودخلها العادل فعمل أتابيكة الملك المنصور عليّ ابن الْعَزِيز، ثُمَّ لم يبرح يتلطّف ويتألّف الأمراء إِلَى أن ملك الدّيار الْمِصْرِيَّة، وخطب لنفسه وقال: هَذَا صبيّ يحتاج إِلَى المكتب ثُمَّ قطع خطبة الصَّبي.
وفيها قدِم بغدادَ من المغرب رسول الملثّمة، من مخدومه إِسْحَاق بْن يحيى بْن إِسْحَاق بن غانية الملثَّم المايرقيّ الخارج على بني عَبْد المؤمن، فتلقّي بالموكب الشّريف، وأخبر أن مرسله أقام الدّعوة للخليفة ببلاده بلاد المغرب.
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: أُخبِرت أنّ الرَّسُول المذكور كان ملثّمًا لا يظهر منه سوى عينيه، وأقام ببغداد أيّامًا، وأُعطي لواءً أسود وخِلَعًا، وأعيد إلى مرسله.
وحجّ من العراق بالنّاس سُنْقُر النّاصريّ، ويُعرف بوجه السَّبع.
ولمّا تمكّن السلطان الملك العادل سيف الدّين أبو بَكْر من مملكة مصر سيَّر الأميرين عَلَم الدّين كرجيّ الأَسَديّ، وأسد الدّين سراسُنْقُر ليُحضِرا ولده الملك الكامل، فدخل الكامل إِلَى القاهرة فِي أواخر رمضان من السنَّة، وخرج العادل بأمراء الدّولة المصريَّة بأن يبرزوا معه ليسيروا إلى خلاط، وحثهم على ذلك.
فلما كان سابع عشر شوّال ركب بالسّناجق والسّيوف المجذَّبة فِي الدَّست، فلم يجسر أحدٌ من الأمراء أن ينطق، وأمر الخطباء أن يخطبوا باسمه -[941]- كما ذكرنا، ثُمَّ لم يلبث إلّا أيّامًا يسيرة حتّى سلطن ولده الكامل على الدّيار المصرية، وقدِم عليه أخوه لأمّه صاحب المدرسة الفَلَكيَّة بدمشق فلك الدّين سليمان بن سروة بن جلدك.
وفيها كان نقص النّيل، والغلاء والوباء المُفْرِط، وخربت ديار مصر، وجَلا أهلها عَنْهَا، واشتدّ البلاء فِي سنة سبْعٍ، وأكلوا الْجِيَف، ثُمَّ أكلوا الآدميّين، ومات بديار مصر أممٌ لا يُحصيهم إلّا اللَّه، وكسر النّيل من ثلاثة عشر ذراعًا إلّا ثلاثة أصابع، وقيل لم يكمل أربعة عشر ذراعًا.