-سنة خمس وتسعين وخمسمائة

في ربيع الأوّل قصد علاء الدّين خُوارزم شاه الريّ، وكان قد عصى عليه نائبه بها، فحاصره وظفر به، وهمَّ بقتله، ثم حبسه.

وفيه نفّذ الخليفة إلى علاء الدين خُوارزم شاه تشريفًا وتقليدًا بما في يده من الممالك، فقبل الأرض ولبس الخلعة.

ثم سار وفتح قلعة من قلاع الإسماعيلية على باب قزوين، وحصر أَلَمُوت، ثمّ عاد، فوثبت الباطنية على وزيره نظام الملك مسعود بن علي فقتلوه.

وقتلت الإسماعيلية في حصار الأَلَمُوت رئيس الشافعيَّة صدر الدّين محمد ابن الوزّان.

وفيها تُقُدّم بعمارة سورٍ ثان على بغداد، وجدّوا في بنائه إلى أن فرع.

وفيها ولي سلطنة المغرب والأندلس محمد بْن يعقوب بْن يوسف بْن عَبْد المؤمن بعد موت والده.

وفي وسط السّنة أخرج أبو الفرج ابن الجوزي من سجن واسط مكرَّمًا وتلقاه الأعيان، وخُلِع عليه وأُذِن له في الجلوس فجلس وكان يومًا مشهوداً.

وفيها كانت بخُراسان الفتنة الهائلة للفخر الرّازيّ صاحب التصانيف.

أنبأني ابن البُزُوريّ قال: سببها أنّه فارق بهاء الدين صاحب باميان وقصد غياث الدّين الغُوريّ خال بهاء الدّين، فالتقاه وبجّله وأنزله، وبنى له مدرسة، وقصده الفقهاء من النواحي فعظُم ذلك على الكَرّاميَّة، وهم خَلْق بهَراة وكان أشدّ الناس عليه ابن عمّ غياث الدّين وزوج بنته، وهو الملك ضياء الدّين، فاتّفق حضور الفقهاء الكرّاميَّة، والحنفيَّة والشّافعيَّة، وفيهم فخر الدّين الرّازيّ، والقاضي مجد الدّين عبد المجيد بن عمر بن القُدوة، وكان محتَرَمًا، إمامًا، زاهدًا، فتكلّم الفَخْر، فاعترضه ابن القُدْوة، واتّسع الجدال والبحث وطال، فنهض السّلطان غياث الدّين، واستطال الفخر على ابن القُدْوة بحيث أنه شتمه وبالغ في إهانته، وانقضى المجلس، فشكا الملك ضياء الدين إلى ابن عمّه ما جرى من الفخر بعد انقضاء المجلس، وذمّ الفَخْر ونسبه إلى الزَّنْدَقة والفلسفة، فلم يحتفل السلطان بقوله، فلمّا كان من الغد جلس ابن عمّ المجد -[938]- ابن القدوة في الجامع للوعظ فقال في وعظه: لا إله إلا الله ربنّا آمنّا بما أنزلت واتَّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، أيّها الناس، إنّا لا نقول إلّا ما صحّ عندنا عن ربنا وعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما قول أرسطا طاليس، وكفْريّات ابن سينا، وفلسفة الفارابيّ، فلا نعلمها، فلأيّ شيءٍ يُشتم بالأمس شيخٌ من شيوخ الْإِسْلَام يذبّ عن دِين اللَّه؟ وبكى، فضجّ النّاس، وبكى الكرّاميَّة، واستغاثوا، وثار النّاس من كلّ جانب واسْتَعَرت الفتنة، وكادوا يقتتلون ويجري ما يهلك به خلق كثير، فبلغ ذلك السّلطانَ، فأرسل الأجناد وسكّنهم ووعدهم بإخراج الفخر، وأحضره وأمره بالخروج.

وفيها كَانَتْ بدمشق فتنة الحافظ عَبْد الغنيّ بينه وبين الأشعرية، وهمّوا بقتله، ثم أخرجوه من دمشق، وتفصيل ذلك فِي ترجمته إن شاء الله.

وفي أوّلها مات الملك العزيز، وكان سيف الدّين أركش، الأَسَديّ بالصّعيد، فقدِم القاهرة فوجد الملك المنصور سلطانًا، وقد استولى فخر الدّين شركس على الأمور، فحلّف أركش الأمراء على أن يُسلطِنوا الأفضل، وأرسلوا النُّجُب بالكُتُب إليه وانعزل عَنْهُمْ شركس، وزين الدّين قُرَاجا، وقُراسُنْقُر، ثمّ لمّا قرب الأفضل من مصر هربوا إِلَى القدس، فسار الأفضل من صَرْخد ودخل مصر، فأخذ ابنّ الْعَزِيز وصار أتابكه، وسارا بالجيوش فحاصرا دمشق وبها العادل قد ساق على البريد من ماردين، وترك عليها الجيش مع ولده الكامل محمد، ودخل دمشق قبل أن يصل الأفضل بيومين، وأحرق جميع ما كان خارج باب الجابية من الفنادق والحوانيت، وأحرق النَّيرب وأَبواب الطّواحين، وقُطعت الأنهار، واشتدّ الأمر، وأُحرقت بيادر غلَّة حَرَسْتَا، ودخل الأفضل من باب السّلامة، وضجّت العَوامّ بشعاره، وكان محبوبًا إِلَى النّاس، وبلغ الخبر العادلَ، فكاد يستسلم فتماسك، ووصل الّذين دخلوا إِلَى باب البريد، وكانوا قليلين، فوثب عليهم أصحاب العادل وأخرجوهم، ثمّ قدِم صاحب حلب، وصاحب حمص، وهمّوا بالزَّحف، ثُمَّ قويَ العادل بمجيء الأمراء الذّين كانوا بالقدس، وضعُف الأفضل، ثمّ وقعت كَبْسة على عسكره المصريّين، وبقيّ الحصار إِلَى سنة ستٍّ وتسعين.

وفيها ظهر بدمشق الدّاعي العجميّ المدّعي أنّه عيسى ابن مريم، وأفسد طائفة وأضلّهم، فأفتى العلماء بقتله، فصلبه الصّارم بزغش العادليّ. -[939]-

وفيها قامت العامَّة على الرّافضة، وأخرجوهم إِلَى باب الصّغير من دمشق، ونبشوا وثّابًا المرحّل من قبره، وعلّقوا رأسه مع كلبين ميّتين.

وفيها وُلّي قضاء القضاة بالعراق ضياء الدّين أبو القاسم ابن الشّهرزوريّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015