كان السلطان قد بعث الأمير مودودا إلى المَوْصِل فحاصرها مدّة، وانتزعها مِن يد جاولي سقاوو، وكان جاولي قد سار في سنة خمسمائة في المحرَّم منها، قد بعثه السّلطان محمد إلى المَوْصِل والأعمال الّتي بيد جكرمِش، وكان جاولي سقاوو قبل هذا قد استولى عَلَى البلاد الّتي بين خوزستان وفارس، فأقام بها سنتين، وعمَّر قلاعها، وظلم وعسف، وقطع، وشنق، ثم خاف جاولي من السلطان، فبعث إليه السلطان الأمير مودودا، فتحصّن جاولي، وحصره مودود ثمانية أشهر، ثمّ نزل بالأمان ووصل إلى -[10]- السّلطان فأكرمه، وأمره بالمسير لغزو الفرنج، واقطعه الموصل ونواحيها.
وكان جكرمش لما عاد مِن عند السّلطان قد التزم بحمل المال وبالخدمة، فلما حصل ببلاده لم يف بما قَالَ، فسار جاولي إلى بغداد ثمّ إلى المَوْصِل، ونهب في طريقه البوازيج بعد أن أمّن أهلها، ثمّ قصد إربل، فتجمّع جكرمش في ألْفَين، وكان جاولي في ألف، فحمل جاولي عَلَى قلب جكرمش فانهزم مِن فيه، وبقي جكرمش وحده لَا يقدر على الهزيمة؛ لفالج به، فأسروه، ونازل جاولي الموصل يحاصرها وبها زنكي بن جكرمش، ومات جكرمش في أيام الحصار عن نحو ستين سنة.
وأرسل غلمان جكرمش إلى الأمير صَدَقة بْن مَزْيَد وإلى قسيم الدّولة البُرْسُقيّ وإلى صاحب الروم قلج أرسلان بن سليمان بن قُتُلْمِش يستدعون كُلًا منهم ليكشف عَنْهُم، ويسلّمون إِليْهِ المَوْصِل، فبادر قلج أرسلان، وخاف جاولي فترحَّل، وأمّا البُرْسُقيّ شِحنة بغداد فسار فنزل تجاه الموصل بعد رحيل جاولي بيوم، فما نزلوا إِليْهِ، فغضب ورجع، وتملّكها قلج أرسلان، وحلفوا لَهُ في رجب، وأسقط خطبة السّلطان محمد، وتألّف النّاس بالعدل، وقال: مِن سعى إلي في أحد قتلته.
وأمّا جاولي فنازل الرَّحْبة يحاصرها، ثمّ افتتحها بمخامرة وأنْهبها إلى الظُّهْر، وسار في خدمته صاحبها محمد بن سباق الشيباني.
ثمّ سار قلج أرسلان ليحارب جاولي، فالتقوا في ذي القِعْدة فحمل قلج أرسلان بنفسه، وضرب يد صاحب العِلْم فأبانها، ووصل إلى جاولي فضربه بالسّيف، فقطع الكُزَاغَنْد فقط، وحمل أصحاب جاولي عَلَى الآخرين فهزموهم فعلم قلج أرسلان أنّه مأسور، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه مِن أصحاب جاولي، فدخل بِهِ فرسه في ماء عميق، فغرق، وظهر بعد أيّام، فدُفن ببعض قرى الخابور.
وساق جاولي إلى المَوْصِل، ففتح أهلها لَهُ وتملكها، وكثُر رجاله وأمواله، ولم يحمل شيئًا مِن الأموال إلى السّلطان، فلمّا قِدم السّلطان بغداد لحرب صدقة طلب جاولي فلم يحضر وراوغ فلما فرغ من أمر صَدَقة جهّز عسكرًا لحرب جاولي، وتحصّن هُوَ بالموصل وعسف وظلم، وأهلك الرعية. -[11]-
ونازل العسكر المَوْصِل في رمضان سنة إحدى وخمسمائة وافتتحوه بمعاملة من بعض أهله، ودخله الأمير مودود، وأمن النّاس، وعَصَت زَوْجَة جاولي بالقلعة ثمانية أيام، ثم نزلت بأموالها.
وأمّا جاولي فإنّه كَانَ في عسكره بنواحي نَصِيبّين، وجَرَت لَهُ أمور طويلة، وأخذ بالِس وغيرها، وفتك ونهب المسلمين، ثمّ فارقه الأمير زنكي بْن أقسُنْقُر، وبكتاش النّهاونْديّ، وبقي في ألف فارس، فخرج لحربه صاحب أنطاكية تنكري في ألف وخمسمائة مِن الفرنج، وستّمائة مِن عسكر حلب، فانهزم جاولي لمّا رَأَى تقلّل عسكره، وسار نحو الرحبة، وقتل خلق من الفريقين، ثمّ سار جاولي إلى باب السّلطان، وهو بقرب إصبهان، فدخل وكَفَنُه تحت إبْطه، فعفا عَنْهُ، وكان السّلطان محمد كثير الحلم والصَّفْح.
وفيها سار طُغتِكين متولّي دمشق غازيا إلى طبرية، فالتقى هُوَ وابن أخت صاحب القدس بغدوين، وكان المسلمون ألفي فارس سوى الرَّجّالة، وكانت الفرنج أربعمائة فارس وألفَيْ راجل، فأشتدّ القتال، وانهزم المسلمون فترجّل طُغتِكين، فتشجَّع العسكر وتراجعوا، وأسروا ابن أخت بغدوين، ورجعوا منصورين، وبذل في نفسه ثلاثين ألف دينار، وإطلاق خمسمائة أسير فلم يقنع منه طُغتِكين بغير الإسلام، ثم ذبحه بيده، وبعث بالأسرى إلى بغداد.
ثم تهادن طُغتِكين وبغدوين عَلَى وضع الحرب أربع سنين، ثم سار طغتكين ليتسلم حصن عرقة، أطلقه لَهُ ابن عمّار لعَجْزه عَنْ حِفْظه، فقصده السّرْدانيّ بالفرنج، فتقهقر عسكر طُغتِكين ووصلوا إلى حمص كالمنهزمين، وأخذ السّرْدانيّ عرقة بالأمان من غير كلفة.
وفيها عزل وزير الخليفة هبة الله بْن المطّلب بأبي القاسم علي بن أبي نصر بن جهير.
وفيها تزوَّج المستظهر بالله بأخت السّلطان محمد عَلَى مائة ألف دينار، وعقد العقْد القاضي أبو العلاء صاعد بْن محمد النَّيْسابوريّ الحنفيّ، وقبل العقد الوزير ابن نظام الملك، وذلك بأصبهان.
وفيها وُلّي شِحْنكيّة بغداد مجاهد الدّين بهروز.
وفيها قتلت الباطنّية قاضي إصبهان عُبَيْد الله بْن عليّ الخطيبيّ بَهَمَذَان، -[12]- وكان يحرّض عليهم، وصار يلبس دِرْعًا تحت ثيابه حَذَرًا منهم، قتله أعجميّ يوم الجمعة في صفر.
وقتلوا يوم الفِطْر أبا العلاء صاعد بْن محمد قاضي نَيْسابور وقُتِل قاتله، واستشهد كهلًا.
وفيها تجمّع قَفْلٌ كبير، وسار مِن دمشق طالبين مصر، فأخذتهم الفرنج.
وفيها ثار جماعة مِن الباطنيّة لعنهم الله في شيزر عَلَى حين غَفْلةٍ مِن أهلها، فملكوها وأغلقوا الباب، وملكوا القلعة، وكان أصحابها أولاد مُنْقذ قد نزلوا يتفرّجون عَلَى عيد النَّصارى، فبادر أهل شيزر إلى الباشورة، فأصعدهم النّساء في حبالٍ مِن طاقات، ثمّ صعِد أمراء الحصْن، واقتتلوا بالسّكاكين، فخُذِل الباطنيّة في الوقت، وأَخَذَتْهُم السُّيوف، وكانوا مائة، فلم ينج منهم أحد.
وفيها قتلت الباطنيّة شيخ الشّافعية أبا المحاسن عبد الواحد الروياني.
وفيها عَلَى ما ذكر أبو يَعْلَى حمزة أخذت طرابلس.