قَالَ ابن الأثير: في حادي عشر ذي الحجّة تملّك الفرنج طرابُلُس، وكانت قد صارت في حكم صاحب مصر مِن سنتين، وبها نائبه، والمدَدُ يأتي إليها، فلمّا كَانَ في شَعْبان وصل أصطول كبير مِن الفرنج في البحر، عليهم رَيْمُنْد بْن صَنْجِيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والمِيرة، فنزل عَلَى طرابُلُس مَعَ السّرْدانيّ ابن أخت صَنْجيل الّذي قام بعد موت صَنْجيل، وهو مُنَازِلٌ لها، فوقع بينهما خُلْفٌ وقتال، فجاء تَنْكرِي صاحب أنطاكية نجدةً للسّرْداني، وجاء بغدوين صاحب القدس، فأصلح بينهما، ونزلوا جميعهم عَلَى طرابُلُس، وجدُّوا في الحصار في أوّل رمضان، وعملوا أبراجًا وألْصَقوها بالسّور، فخارت قِوى أهلها وذلّوا، وزادهم ضعفًا تأخّر الأصطول المصري بالنجدة والميرة، وزحفت الفرنج عليها، فأخذوها عَنْوَةً، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، ونجا واليها وجماعة -[13]- من الجند التمسوا الأمان قبيل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وسار تنكري إلى بانياس فأخذها بالأمان.
ونزل بعض الفرنج على جبيل وبها فخر المُلْك بْن عمّار الَّذِي كَانَ صاحب طرابُلُس، فحاصروها أيّامًا، وسلّمت بالأمان لقلّة الأقوات بها، وقصد ابن عمّار شَيْزَر، فأكرمهُ سلطان بْن عليّ بْن منقذ الكنانيّ، فاحترمه وسأله أن يقيم عنده، فسار إلى دمشق فأكرمه طُغتِكين وأقطعه الزَّبَدانيّ.
وذكر سِبط الْجَوزيّ: أخذ طرابلس في سنة اثنتين وخمسمائة، وذكر الخلاف فيه.
وفيها سار وزير السّلطان محمد، وهو أحمد ابن نظام المُلْك فحاصر الألَمُوت، وبها الحَسَن بْن الصباح، ثم رحل عنها لشدة البرد.
وفي ربيع الآخر قدم السلطان بغداد، فأقام بها أشهرًا.
وفي شعبان طفر باطنيّ عَلَى الوزير ابن نظام المُلْك فجرحه، فتعلّل أيّامًا وعوفي، وسُقِيَ الباطنيّ خمرًا وقُرّرَ، فأقر على جماعة بمسجد المأمونية، فأخذوا وقتلوا.
وفيها مات إبراهيم بْن ينال صاحب آمد، وكان ظلومًا غشومًا، نزح كثير مِن أهل آمِد عَنْهَا لجوره، وتملك بعده ابنه.
وفيها عزم محمد بْن ملكشاه عَلَى غزو الفرنج، وتهيأ، ثم عرضت له عوائق.
وفيها أخذ تَنْكري صاحب أنطاكيّة طَرَسُوس، وقرَّر عَلَى شَيْزر ضريبة في السنّة وهي عشرة آلاف دينار، وتسلم حصن للأكراد.