في ليلة الميلاد أوقدوا النّيران والفتائل في الأسطحة، فأوقدت فتيلةٌ في سطْحٍ كبير بعُكَبْرا، فوقع بهم، فهلك تحت الردم ثلاثة وأربعون نفسا.
وفي رجب اجتمع القضاة والدولة، واستدعي جاثليق النَّصارى ورأس جالوت اليهود، وخرج توقيع الخليفة في أمر الغِيار وإلزام أهل الذّمّة به، فامتثلوا.
وفي رمضان استقرّ أن يزاد في ألقاب جلال الدولة: " شاهنشاه الأعظم ملك الملوك "، وخطب له بذلك بأمر الخليفة، فنفَر العامّة ورموا الخُطَباء بالآجُرّ، ووقعت فتنة، وكتب إلى الفُقَهاء في ذلك. فكتب الصّيمُريّ: أنّ هذه الأسماء يُعتبر فيها القصْد والنّيّة، وكتب الطّبريّ أبو الطَّيّب: إنّ إطلاق " ملك الملوك " جائز، ويكون معناه: " ملك ملوك الأرض "، وإذا جاز أن يقال: قاضي القُضاة، وكافي الكُفاة - جاز أن يُقال: ملك الملوك، وكتب التَّميميّ نحو ذلك.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أنّ الماورديّ منع من جواز ذلك، -[355]- وكان مختصا بجلال الدولة.
فلما امتنع من الكتابة انقطع، فطلبه جلال الدولة، فمضى على وجلٍ شديد، فلمّا دخل قال الملك: أنا أتحقق أنّك لو حابيت أحدًا لَحَابَيْتني لِما بيني وبينك، وما حملكَ إلّا الدِّين فزاد بذلك محلك في قلبي.
قال ابن الجوزيّ: والذي ذكره الأكثرون هو القياس، إذا قصَد به ملوك الدُّنيا إلّا أنّي لا أرى إلا ما رآه الماورديّ؛ لأنّه قد صحّ في الحديث ما يدلُّ على المنع، ولكنّهم عن النَّقْل بمعْزلٍ.
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ مِنَ " الْمُسْنَدِ " عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ ". قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: سَأَلْتُ أبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ عَنْ أَخْنَعَ، فَقَالَ: أَوْضَعُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ثُمَّ سَاقَ مِنَ " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ، قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْمُلُوكِ. لَا مَلِكَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
قلتُ: وهي بالعجمي شاهنشاه.