في المحرّم كبَس العيّارون دارًا فأخذوا ما فيها، ورد أبو محمد ابن النَّسويّ لكشف العمْلَة، فأخذ هَاشميًّا فقتله، فثار أهل النّاحية ورفعوا المصاحف على القَصَب، ومَضَوا إلى دار الخلافة، وجرى خطب طويل.
وفي ربيع الآخر دخل العيّارون بغداد في مائة نفس من الأكراد والأعراب، فأحرقوا دار ابن النّسويّ، وفتحوا خانًا وأخذوا ما فيه، وخرجوا بالكارات على رؤوسهم، والناس ينظرون.
وشغب الْجُند على جلال الدولة وقالوا: هذا البلد لا يحملنا وإيّاك، فاخرج فإنّه أَوْلَى بك. قال: كيف يمكنني الخروج على هذه الصوّرة؟ أمهِلوني ثلاثة أيام حتّى آخذ حُرِمي وولدي وأمضي. فقالوا: لا تفعل.
ورَمَوْه بآجِرَّةٍ، فتلقّاها بيده، وأُخرى في كتفه، فاستجاش بالحاشية والعامّة، وكان عنده المرتضى، والزَّيْنبيّ، والماوَرْديّ، فاستشارهم في العبور إلى الكرْخ كما فعل تلك المرَّة، فقالوا: ليس الأمر كما كان، وأحداث الموضع قد ذهبوا.
وحوّل الغلمان خيامهم إلى حول الدّار وأحاطوا بها، وبات النّاس على أصعب خطّة، فخرج الملك في نصف اللّيل إلى زُقاق غامض، فنزل إلى دجلة، وركب سُمَيْريّة فيها بعض حاشيته، ومضى إلى دار المرتضى، وبعث حُرَمه إلى دار الخلافة، ونَهب الأجناد دار الملك حتى أبوابها وساجَها، وراسلوا الخليفة أن تُقطع خطبة جلال الدّولة، فقيل لهم: سننظر، وخرج الملك إلى أَوَانا، ثمّ إلى كرْخ سامرّاء. ثمّ خرجوا إليه واعتذروا ومشى الحال.
وفي جُمَادى الآخرة وردت ظُلْمة طبّقت البلد، حتّى كان الرجل لا يرى صاحبه، وأخذت بالأنفاس حتى لو تأخر انكشافها لهلكوا.
وفي رجب ضَحْوَة نهارٍ انقضّ كوكبٌ غلب ضوؤه ضوء الشّمس، وشوهد في آخره شيء مثل التِّنين بلون الدُّخان، وبقي نحو ساعةٍ. فسبحان الله العظيم مَا أكثر البلاء بالمشرق.