تجدّد في المحرّم وصول العرب إلى أطراف الجانب الغربيّ، فعاثوا ونهبوا. ثمّ ظهر قومٌ من العيّارين ففتكوا وقتلوا. فنهض أبو الغنائم بن عليّ المتولّي فقتل اثنين، فعاودوا الخروج وقتلوا رجلين، وقاتلوا أبا الغنائم.
وتتابعت العَمْلات، فنهض أبو الغنائم ومَسَك وقتل. ثم عاد الفساد والعيّارون يكمنون في دُور الأتراك، ويخرجون ليلًا، وكتب العيّارون رقاعًا يقولون فيها: إنْ صُرف أبو الغنائم عنّا حفظْنا البلد، وإن لم يصرف ما نترك الفساد.
وكبسَ غلامٌ قراحًا للخليفة ونهبَ من ثمره، فامتعض الخليفة وكتب إلى الملك والوزير بالقبض عليه وتأديبه، فتوانوا لضَعْف الهيبة. فزاد حنق الخليفة، فأمر القُضاة بالامتناع من الحكم، والفُقَهاء من الفتوى، والخطباء من العقود، وعمل على غلْق الجوامع، فَحُمِل الغلام ورُسم عليه ثم أطلق.
وزادت الِفَتن، وكثُر القتل، ومُنع أهل سوق يحيى من حمل الماء من دجلة إلى أهل باب الطّاق والرّصافة، وخُذل الأتراك والسّلطان في هذه الأمور حتّى لو حاولوا دفعَ فساد لزاد، وتملك العيارون البلد.
وفيها وصل كتاب السلطان مسعود بن محمود بفتحٍ فتحه بالهند، ذكر فيه أنّه قتل من القوم خمسين ألفًا، وسبى سبعين ألفًا، وغنِم منهم ما يقارب ثلاثين ألف ألف درهم. فرجع وقد ملك الغُزّ بلاده، فأوقع بهم، وفتح جرجان وطبرستان.
واشتد البلاء بالعيارين، وتجهرموا بالإفطار في رمضان، وشُرْب الخمور، والزّنا. وعاد القتال بين أهلِ المحَالّ، وكثُرت العَمْلات، واتّسع الخَرْق على الرّاقع، وقال الملك: أنا أركب بنفسي في هذا الأمر. فما التفتوا له، وتحيّر النّاس، وعظُم الخَطْب، وهاجت العرب، وقطعوا الطرق.
وعلمت الرّومُ بوهْن المسلمين، فوصلوا إلى أعمال حلب فاستباحوها، فالتقاهم شبل الدولة ابن مرداس فهزمهم.
ونَهَبت عربُ خَفَاجة الكوفة، فلا قوة إلّا بالله.