-سنة ثلاث وأربعمائة.

فيها قُلد الشريف الرضي أبو الحسن الموسَوِيّ نقابة الطَالبييّن في سائر الممالك، وخُلِعَتْ عَليْهِ خلعة سوداء، وهو أول طالبي خُلِعَ عليه السواد.

وفيها عَمر رُستاقَ العراق فخرُ الملك الوزير، فجاء الارتفاع لحقّ السّلطان بضعة عشر ألف كُر.

وفيها، في أوّلها بل في صَفرَ، وقْعة القرعاء، جاء الخبر بأن فُلَيْتَة الخَفَاجيّ سبق الحاجّ إلى واقصة في ستّمائة من بني خَفَاجة، فغّور الماء وطرحَ في الآبار الحنظل، وقعد ينتظر الرَّكْب. فلمّا وردوا العَقبَة حَبسهم ومنعهم العبور، وطالبهم بخمسين ألف دينار. فخافوا وضعُفُوا، وأجهدهم العطش، فهجم عَليْهم، فلم يكن عندهم مَنَعَة، فاحتوى عَلَى الجِمال والأحمال وهلك الخلق، فقيل: إنّه هلك خمسة عشر ألف إنسان، ولم يُفلت إلا العدد اليسير، وأفلتَ أميرهم محمد بْن محمد بن عُمَر العلويّ في نفرٍ من الكِبار في أسوأ حال بآخر رَمقَ. فورد عَلَى فخر المُلْك الوزير من هذا أعظم ما يكون وكتبَ إلى عامل الكوفة بأن يُحسن إِلَى من توصّل ويُعينهم. وكاتب عليّ بْن مَزْيد وأمره أن يطلب العرب، وأن يُوقِع بهم، فسارَ ابن مَزْيد، فلِحقهم بالبّريّة وقد قاربوا البصرة، فأوقع بِهِم وقتل كثيرًا منهم وأسَر القوي والد فُلَيتَةَ والأشتر وأربعة عشر رجلًا من الوجوه، ووجدَ الأموال والأحمال قد تمزَّقت وتفّرقت، فانتزع ما أمكنه وعاد إلى الكوفة، وبعث الأسرى إلى بغداد، فشُهّروا وسجِنوا، وجُوع بعضهم، ثم أطعموا المالح، وتُرِكوا على دجلة يرون الماء حَتَّى ماتوا عطشا. -[14]-

وفي رمضان انقضّ كوكبٌ من المشرق ببغداد، فغلبَ ضوؤه عَلَى ضوء القمر وتقطّع قِطعا.

وفي شوال أخرجت جنازة بنت أبي نوح الطبيب امرَأَة ابن إسرائيل كاتب النّاصح أَبِي الهيجاء ومع الجنازة النّوائح والطُّبولُ والزُّمور والرُّهْبان والصّلْبان والشُّموع. فأنكر هاشميٌ ذَلِكَ ورجَمَ الجنازة، فوثب بعض غلمان النّاصح فضربَ الهاشميّ بدبّوس فشجّه، وهربوا بالجنازة إلى بَيْعة هناك، فتبِعَتْهم العامّة، ونهبوا البيعة وما جاورَها مِن دُور النَّصارَى. وعاد ابن إسرائيل إلى داره، فهجموا عَليْهِ، فهربَ واستجار بمخدومِه، وثارت الفتنة بين العامّة وبين غلمان النّاصح وزادت ورُفِعَتْ المصاحف في الأسواق، وغُلقت الجوامع، وقصد الناسُ دار الخليفة، فركب ذو السَّعادتين إلى دار النَاصح، وتردّدت رسالة الخليفة بإنكار ذَلِكَ وطُلِبَ ابن إسرائيل، فامتنع الناصح من تسليمه، فغضب الخليفة وأمر بإصلاح الطّيّار للخروج من البلد، وجمع الهاشمييّن في داره، واجتمعت العامّة يومَ الجمعة، وقصدوا دار النّاصح، ودفعهم غلمانه عَنْهَا، فقُتل رَجُل قِيلَ إنّه علويّ، فزادت الشّناعة، وامتنع الناس من صلاة الجمعة، فظفرت العامّة بقومٍ من النّصارى فقتلوهم. ثمّ بعث الناصحُ ابن إسرائيل إلى دار الخلافة فسكن العامّة، وأُلزِمت النّصارى بالغيار، ثمّ أُطلِقَ ابن إسرائيل.

وفيها ألزمَ الحاكم صاحب مصرَ النَّصارى بحمل صلْبان خَشب ذراع في ذراع في أعناقهم، وزن الصّليب خمسة أرطال، وفي رقاب اليهود أكَر خشب بهذا الوزن، فأسلم بسبب هذا الذُّلّ طائفة، ونهى الأمراء عَنْ تقبيل الأرض وبَوْس اليد، ورسَم أن يقتصروا عَلَى: السّلام عليكم ورحمة الله. ولَبس الصّوف عَلَى جسده ورأسه، واقتصر عَلَى ركوب الحمار بغير حُجّاب ولا طرّادين.

وفيها بعث محمود بْن سُبُكْتكين كتابًا إلى القادر بالله، قد وردَ إِليْهِ من الحاكم صاحب مصر، يدعوه فيه إلى الطّاعة والدّخول في بيعته، وقد خرقه وبصق عليه. -[15]-

وفيها قرئ عهد أبي نصر بن مروان الكُردي عَلَى آمد وديار بَكْر، وطُوق وسُور، ولُقب " نصر الدولة ".

ولم يحجّ أحدٌ من العراق، ورَدّ حاجُّ خُراسان.

وفيها مات إيلك خان صاحب ما وراء النّهر الّذي أخذها من آل سامان بعد التسعين وثلاثمائة، وكان ملكًا شجاعًا، حازمًا، ظالمًا شديد الوطأة. وكان قد وقع بينه وبين أخيه الخان الكبير طُغان ملك التُرْك، فورث مملكته أخوه طغان، فمالأ السلطان محمود بن سُبكْتكين ووالاه وهادنه، وتردد له، فجاشت من جانب الصين جيوش لقصد طغان وبلاد الإسلام من ديار التُّرك وما وراء النّهر يزيدون عَلَى مائة ألف خِركاه، لم يعهد الإسلام مثلها في صعيدٍ واحد، فجمع طغان جمعًا لم يُسمع بِمِثِلِه ونصره الله تعالى.

ومات السلطان بهاء الدولة أحمد ابن عَضد الدّولة، وكان مصافيا للسلطان محمود بْن سُبُكْتكين مداريا له، مُؤثِرا لِمصافاته لحكم الجوار، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015