أذِنَ فخرُ المُلْك أبو غالب بْن حامد الوزير الّذي قُلِّد العراق عام أول في عمل عاشوراء والنَّوْح.
وفي ربيع الآخر كُتِبَ مِن الّديوان محضر في معنى الخلفاء الّذين بمصر والقَدْح في أنسابهم وعقائدهم، وقُرِئت النسخةُ ببغداد، وأُخِذَت فيها خطوط القُضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العِلْم والمعرفة بنسَب الدَيْصَانية، وهم منسوبون إلى دَيْصَان بْن سَعِيد الخُرّميّ، إخوانُ الكافرين، ونُطَف الشّياطين، شهادةً يُتقرَّبُ بها إلى الله، ومعتقد ما أوجب الله عَلَى العلماء أن يبيّنوه للنّاس، شهدوا جميعًا: أنّ الناجم بمصر وهو منصور بْن نزار المُلَقَّب بالحاكم - حكم الله عَليْهِ بالبوار والخزْي والنّكال - ابن مَعَد بْن إسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد - لا أسعده الله - فإنّه لما صار سَعِيد إلى الغرب تَسَمّى بُعبَيْد الله وتلقَّب بالمهديّ، وهو ومَن تقَّدم من سلفه الأرجاس الأنجاس - عَليْهِ وعليهم اللّعنة - أدعياء خوارج لا نسبَ لهم في ولد عليّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وأنّ ذَلِكَ باطل وزُور، وأنتم لا تعلمون أنّ أحدًا من الطّالبييّن توقَّف عَنْ إطلاق القول في هَؤلَاءِ الخوارج أنّهم أدعياء. وقد كَانَ هذا الإنكار شائعًا بالحَرَمَيْن، وفي أوّل -[11]- أمرهم بالغرب، منتشرا انتشارا يمنع من أن يُدلَّس عَلَى أحدٍ كَذِبُهُم، أو يذهب وهْمٌ إلى تصديقهم، وأنّ هذا النّاجم بمصر هو وسبيله كُفارٍ وفُساق فُجار زنادقة، ولمذهب الثّنَويّة والمَجُوسية معتقدون، قد عطّلوا الحدود، وأباحوا الفروجَ، وسفكوا الدماء، وسَبّوا الأنبياءَ ولعنوا السّلف، وادعَّوا الربوبيّة، وكتب في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة.
وكتبَ خلقٌ كثير في المحضر منهم الشّريف الرضي، والمرتضى أخوه، وابن الأزرق الموسويّ، ومحمد بْن محمد بْن عُمَر بْن أَبِي يَعْلَى العلويّون، والقاضي أبو محمد عبيد الله ابن الأكفانيّ، والقاضي أبو القاسم الجزري، والإمام أبو حامد الإسفراييني، والفقيه أبو محمد الكُشفليّ، والفقيه أبو الحسين القدوريّ الحنفيّ، والفقيه أبو عليّ بْن حَمَكَان، وأبو القاسم بْن المحسّن التَّنُوخيّ، والقاضي أبو عبد الله الصَيْمُريّ.
وفيها فرق فخر المُلْك الوزير أموالًا عظيمة في وجوه البِرّ، وبالغ في ذَلِكَ حتى كثر الدّعاء لَهُ ببغداد، وأقام دارا هائلة أنفق عليها أموالا طائلة.
وفيها ورد كتاب يمين الدّولة أَبِي القاسم محمود بْن سُبكْتكين إلى القادر بالله بأنّه غزا قومًا من الكُفار، وقطع إليهم مَفَازَة، وأصابه عطش كادوا يهلكون، ثمّ تفضَّل الله عليهم بمطرٍ عظيم رواهم، ووصلوا إلى الكُفْار، وهم خلقٌ ومعهم ستّمائة فيل، فنصر عليهم وغنم وعاد. -[12]-
وفي آخر السنّة وردَ كتاب أمير الحاجّ محمد بْن محمد بْن عُمَر العلويّ بأنّ ريحًا سوداء هاجت عليهم بُزبالة، وفقدوا الماء، فهلك خلْق، وبلغت مزادة الماء مائة درهم، وتخفر جماعة ببني خَفَاجة وردّوا إلى الكوفة.
وعُمل الغدير، ويوم الغدير معروف عند الشّيعة، ويوم الغار لجهلةِ السُّنّة في شهر ذي الحجّة بعد الغدير بثمانية أيّام اتّخذته العامّة عنادًا للرافضة. فَعُمِل الغدير في هذه السّنة والغار في ذي الحجّة، لكن بِطُمَأنينة وسُكُون، وأظهرت القَيْنات من التعليق شيئًا كثيرًا، واستعان السُّنّة بالأتراك، فأعاروهم القماش المفتخر والحلي والسلاح المذهبة.
وفي هذه الحدود هربَ مِن الدّيار المصريّة ناظر ديوان الزّمام بها، وهو الوزير أبو القاسم الحسن بْن عليّ المغربيّ حين قَتَلَ الحاكم أَبَاهُ وعمّه، وبقيَ إِلْبا عَلَى الحاكم يسعى في زوال دولته بما استطاع. فحصل عند المفرّج بْن جّراح الطّائيّ أمير عرب الشام، وحسّن لَهُ الخروج عَلَى الحاكم، وقتل صاحب جيشه، فقتله كما ذكرناه سنة إحدى وأربعمائة. ثمّ قَالَ أبو القاسم لحسّان ولد المفرّج بْن الجرّاح: إنّ الحَسَن بْن جعفر العلويّ صاحب مكّة لا مَطْعَن في نسبه، والصّواب أن تنصّبه إمامًا، فأجابه، ومضي أبو القاسم إلى مكّة، واجتمع بأميرها وأطمعَه في الإمامة، وسهل عليه الأمور وبايعه، وجوز أخذ مال الكْعبة وضربِهِ دراهم، وأخذَ أموالًا من رَجُل يُعرف بالمطّوعيّ، عنده ودائع كثيرة للنّاس، واتّفق موت المطّوعيّ، فاستولى عَلَى الأموال وتلقَّب بالراشد بالله، واستخلف نائبًا عَلَى مكّة، وسار إلى الشّام، فتلقّاه المفرّج وابنهُ وأمراء العرب، وسلّموا عَليْهِ بإمرة المؤمنين، وكان متقلّدًا سيفًا زعم أَنَّهُ ذو الفِقار، وكان في يده قضيب ذكر أَنَّهُ قضيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحوله جماعة من العلوييّن، وفي خدمته ألف عَبْد. فنزل الرّملة، وأقام العدل، واستفحل أمره، فراسلَ الحاكمُ ابن جرّاح، وبعث إِليْهِ أموالًا استماله بها، وأحسَّ الراشد بالله بذلك، فقال لابن المغربي: غَرَرْتني وأَوْقعتني في أيدي العرب، وأنا راضٍ من الغنيمة بالإياب والأمان. ورَكب إلى المفرّج بْن جرّاح وقال: قد فارقتُ نعمتي، وكشفتُ القناع في عداوة الحاكم سُكونا إلى ذِمامك، وثقه بقولك، واعتمادًا عَلَى عهودك، وأرى ولدكَ حسّانًا قد أصلح أمره مَعَ الحاكم وأريدُ العَوْد إلى مأمني. فسيَّره المفرَج إلى وادي القُرى، وسيرَّ أبا القاسم ابن المغربي إلى العراق. فقصدَ أبو القاسم -[13]- فخر الملك أبا عليّ، فتوهَموا فيه أنّه يفسد الدّولة العبّاسيّة، فتسحّب إلى الموْصِل ونفقَ على قرواش، ثم عاد إلى بغداد.
وفي جُمَادى الأولى عُزل أبو المطاع بْن حمدان عَنْ إمرة دمشق، وأُعيد إليها بدر العطار. ثم صُرِف بعد أيام بالقائد ابن بزال، فولِيَها نحوًا من أربعة أعوام.