في ربيع الأول انحدر فخر المُلك إلى دار الخلافة، فلما صعِد مِن الزَّبْزَب تلقّاه أبو الحَسَن عليّ بن عبد العزيز ابن حاجب النُّعمان، وقبًّل الأرض بين يديه، وفعَل الحُجاب كذلك ودخلَ الدّار والحُجّاب بين يديهُ، وأُجلس في الرّواق، وجلس الخليفة في القُبَّة، ودعا فخر الملك، ثمّ كثر النّاس وازدحموا، وكثر البَوسَ واللَّغَط، وعجز الحُجّابُ عَنِ الأبواب، فقال الخَليفة: يا فخر الملك، امنع من هذا الاختلاط، فرد بالدّبّوس الناسَ، ووكَل النُقباء بباب القبُة. وقرأ ابن حاجب النُعمان عهد سلطان الدّولة بالتّقليد والألقاب، وكتب القادر بالله علامته عليه، وأحضرت الخِلَع والتاج والطَّوْق والسواران واللواءان، وتولّي عقْدهما الخليفةُ بيده، ثمّ أعطاه سيفًا وقال للخادم: اذهب قلّده بِهِ، فهو فخرٌ له ولعَقبه يفتح به شرق الأرض وغَربها، وبعث ذَلِكَ إلى شِيراز مَعَ جماعة. -[16]-
وفيها أبطل الحاكم المنجمين من بلاده، وشددَّ في ذَلِكَ، وأعتقَ أكثر مماليكه وأحسن إليهم، وجعلَ وليّ عهده ابن عمّه عَبْد الرحيم بن إلياس، وخطب له بذلك، وأمر بحبس النساء في البيوت فاستمر ذلك خمسة أعوام وصلحت سيرته.
وحج بالناس أبو الحسن محمد بن الحسن ابن الأقساسي وكذلك في سنة ست.
وفي هذه السّنة كانت الملحمة الهائلة بين ملك التُّرْك طُغان رحمه الله وبين جيش الصّين فقتل فيها من الكفار نحو مائة ألف، ودامت الحرب أيّامًا ثم نزل النصر، ولله الحمد.