في جمادى الأولى زُفّت بنت عزّ الدولة إلى الطائع لله.
وفيها جاء أبو بكر محمد بن علي بن شَاهَوَيْه صاحب القرامطة، ومعه ألف رجل منهم إلى الكوفة، وأقام الدعوة بها لعَضُد الدولة، وأسقط خطبة عزّ الدولة، وكان قدومه معونة من القرامطة لعَضُد الدولة.
وفيها كانت وقعة بين عز الدولة وعضد الدولة، أسر فيها غلام تركي لعزّ الدولة، فجنّ عليه واشتدّ حُزْنُه، وتسلّى عن كل شيء إلّا عنه، وامتنع من الأكل، وأخذ في البكاء، واحتجب عن الناس، وحرّم على نفسه الجلوس في الدّسّت، وكتب إلى عَضُد الدولة يسأله رد الغلام إليه، ويتذلّل، فصار ضحكة بين الناس، وعوتب فما ارْعَوَى، وبذل في فداء الغلام جاريتين عوديّتين، كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف، فأبي أن يبيعها، وقال للرسول: إنْ توقّف عليك في رده فزد ما رأيت ولا تفكر فقد رضيت أن آخذه وأذهب إلى أقصى الأرض، فرده عضد الدولة عليه.
وحج بالناس من العراق أبو عبد الله أحمد بن أبي الحسين العلوي، وحجّت جميلة بنت ناصر الدولة ابن حمدان ومعها أَخَواها إبراهيم وهبة الله، فضُرِب بحجّتها المثل، فإنها استصحبت أربعمائة جمل، وكان معها عدّة محامل لم يُعْلَم في أيها كانت، وكست المجاورين، ونثرت على الكعبة لما رأتها عشر آلاف دينار، وسقت جميع أهل الموسم السّويق بالسُّكّر والثلج - كذا قال أبو منصور الثعالبي، فمن أين لها ثلج؟ وقُتل أخوها هبة الله في الطريق، وأعتقت ثلاثمائة عبد ومائتي جارية، وأغنت المجاورين بالأموال.
قال أبو منصور الثعالبي: خلعت على طبقات الناس خمسين ألف ثوب، وكان معها أربعمائة عمارية لا يُدْرَى في أيّها كانت، ثم ضرب الدهر ضربانه، واستولى عَضُدُ الدولة على أموالها وحصونها وممالك أهل بيتها، -[188]- حتى أفضت بها الحال إلى كلّ قلّة وذِلّة، وتكشّفت عن فقر مُدْقِع. وقد كان عَضُد الدولة خطبها، فامتنعت ترفُّعًا عليه، فحقد عليها، وما زال يعنف بها حتى عرّاها وهتكها، ثم ألزمها أنْ تختلف إلى دار القُحّاب فتتكسّب ما تؤدّيه في المصادرة، فلما ضاق بها الأمر غَرّقَتّ نفسها في دِجْلَة، فلا قوة إلا بالله.