كبيرة توضح شخصياتهم ومدى ما أثّر به الإسلام فى أشعارهم. ولم نغفل من سواهم، ممن داروا عند ابن سلام وفى الكتب الأدبية والتاريخية، بل مثّلنا لهم بأشعار كثيرة، ووضعنا بإزاء المجيدين منهم فى الهوامش مراجع أخبارهم وأشعارهم، ليستعين بها من يريد متابعة دراستهم.

وإذا تركنا المخضرمين عند ابن سلام إلى شعراء عصر بنى أمية وجدناه يسلكهم فى طبقات عشر، يسميها طبقات الإسلام، ومن يقرن من سمّاهم فى تلك الطبقات إلى من ترجمنا لهم يرى أننا أعرضنا عن كثيرين ممن ذكرهم وعنينا بآخرين لم يجروا على لسانه، لأنهم فعلا يتقدمون من أعرضنا عنهم من حيث تمثل الحياة التى عاشوها، ومن حيث الشعر والشاعرية، ومن ثمّ اهتمّ بجمهورهم صاحب الأغانى، ففتح لهم فى كتابه فصولا طويلة، وعنى الرواة بدواوينهم أو على الأقل بكثير منها، فصنعوه صنعة محكمة. وكثرة من سمّاهم ابن سلام ليس لهم دواوين محفوظة ولا أخبار كثيرة مسجّلة، وهم غالبا من نجد، وكأنه إنما عنى بمن كانوا يدورون على ألسنة اللغويين متمثّلين بأشعارهم ومستشهدين، ونفس ترتيبه لطبقاتهم يدل على ذلك دلالة بينة، فقد سلك الراعى فى الطبقة الأولى مع جرير والفرزدق والأخطل، وهو شاعر مقلّ، ويدنو عن طبقتهم درجات. وإنما دعاه إلى ذلك ما اشتهر به فى بيئة اللغويين من إحسانه لنعت الإبل، وحشده فى هذا النعت لأوابد الألفاظ. ولو أنصف لأخّره عن طبقته ووضع فيها بدلا منه ذا الرّمّة الذى يتقدم جميع شعراء عصره فى وصف الصحراء وكل ما يتصل بها من إبل وغير إبل.

وقد جعل ابن سلام ذا الرّمّة فى الطبقة الثانية وقرن به فيها البعيث والقطامى وكثيّرا، والبعيث مقل ولا يرتفع بجناحه إلى آفاقهم جميعا. ولذلك أهملناه كما أهملنا أصحاب الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة، وهم على الترتيب كعب بن جعيل وعمرو بن أحمر وسحيم بن وثيل وأوس بن مغراء، ونهشل بن حرّى وحميد بن ثور الهلالى والأشهب بن رميلة وعمر بن لجأ التّيمى، وأبو زبيد الطّائى والعجير وعبد الله بن همّام السّلوليان ونفيع بن لقيط الأسدى، جميعهم مقلّون، ولا يمثّلون عصرهم لا فى أحداثه الجسام ولا فى تطور فنون الشعر وأغراضه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015