حتى إذا سقطت الدعوة المهدية وقام الحكم الثنائى المصرى الإنجليزى بالسودان عيّن قاضيا لمدينة سنار سنة 1899 للميلاد. وفى سنة 1906 نقل إلى مديرية النيل الأزرق قاضيا، ولمكانته العلمية وسيرته الحميدة عين سنة 1912 شيخا لعلماء السودان، وأقنع الحكومة ببناء مسجد جديد فى أم درمان وبناء معهد دينى يلحق به، وكان المعهد قد أنشئ منذ سنة 1901 فى جامع أم درمان لتدريس العلوم الدينية، فجعل له مبنى مستقلا، وجعل نظام التدريس فيه مثل نظام الأزهر، فالطلاب يختلفون فيه إلى ثلاث مراحل، كل مرحلة أربع سنوات، وفى السنة الأخيرة ينالون شهادة العالمية، وكان ذلك عملا جليلا للشيخ أبى القاسم، إذ بدأ به نهضة علمية دينية فى السودان، وظل يتعهده نحو عشرين عاما إلى وفاته. وكان شاعرا بارعا، وله غزليات عذرية عفيفة تارة يفردها وتارة يجعلها مقدمة لمدائحه النبوية، ومن مقدماته لإحدى تلك المدائح قوله:
ليلى بدت لما أضاء الكوكب … فمحت ضياه وزال عنا الغيهب (?)
واستقبلت قمر الزمان فناله … من حسنها الكلف الذى لا يذهب (?)
وتفرّدت فى حسنها ودلالها … وحوت من الأوصاف ما يستغرب
فتزاحمت عشاق حسن جمالها … كلّ لحسن وصالها يتطلّب
والعشق صعب لا يطيق صروفه … إلا الذى لعذابه يستعذب
والشيخ أبو القاسم يقول لما بدا ضياء وجه ليلى محا ضياء الكوكب لأنه أشد منه سطوعا، واستقبلت القمر فناله من حسنها-خفرا وحياء-غضون لا تفارق وجهه أبدا. ويقول إنها انفردت بحسنها ودلالها وحوت من أوصاف الجمال ما يخال مستغربا، فتزاحمت عشاقها وكلّ يتمنى الوصال، والعشق-بحق-صعب، ولا يطيق أحواله وآلامه إلا من يجد عذابه مستعذبا حلوا. ويقول متغزلا:
فتور بجفنى من أحبّ سبانى … وتوريد خدّيه استطار جنانى (?)
ورقّة خصر واحتشام شمائل … حكمن بأسرى واستننّ هوانى
وإن الهوى العذرىّ أيسر حاله … توقّد نيران بغير دخان
وإنّى مذ علّقت ليلى بخاطرى … جفيت منامى وافتقدت الأمانى
سلاها فهل قلبى سلاها وهل جرى … حديث سواها فى فمى ولسانى
وهو يذكر أن الفتور بجفنى محبوبته أسره، وتوريد خديها أذهله وأطار عقله، وبالمثل رقة الخصر وحسن الخلال، كل ذلك حكم عليه بالأسر واستنّ هوانه. وما أشد الهوى العذرى