أن عهده بها تبطش على مهل، ويراها اليوم تصول بيسراها ويمناها على أبيه الذى كان سندا يعتمد عليه، والذى صعد إلى سماء فخر يصعب الصعود إليها، ويقول إنه كان يسدى النصح للضال عن الهدى ويوضح طريق الحق لقصاده الكثيرين الذين يبغون منه الرشاد، وكان يرفع حجب الوهم عن مشكلات العلم ووجه الصواب الزاهى. أما فى التصوف والتقى فكانت له عبارات محكمة حلوة. ويبكى طائفة من آبائه منشدا:

أولاك آبائى الذين بطولهم … طالت يدى وسموت من سامانى (?)

أولاك هم بصر الكمال وسمعه … وهم لأهل الفضل كالعنوان

بمعارف وعوارف قدسيّة … كالشمس لا تخفى على إنسان

هم صيّروا نهج الهداية واضحا … للطالبين قصيّهم والدّانى

نظروا إلى الدنيا بعين بصيرة … فتحوّلوا عن ذا الوجود الفانى

والعباسى يذكر أن هؤلاء الآباء الذين رثاهم بفضلهم علا شأنه وسما على من ساماه وفاخره، ويقول إنهم بصر الكمال وسمعه، وهم كالعنوان لأهل الفضل بمعارفهم العلمية وعوارفهم القدسية وهم كالشمس لا يخفى فضلهم على أحد، وقد صيّروا طريق الهداية واضحا للناس البعيد منهم والقريب وقد نظروا إلى دنياهم بعين بصيرة فازدروها وتحولوا عن دار الفانية إلى دار الخلود. ويقول فى رثاء أستاذه الشيخ محمد البدوى مؤبنا:

كشف النقاب عن العلوم فزفّها … خودا تفوق على الحسان الخرّد (?)

من للعلوم جميعها ولفقه ما … لك والحديث صحيحه والمسند

وبيانها وبديعها وأصولها … فى منطق وعويصها المتعقّد

إنّي أعزّى كل أمة أحمد … بمصيبة الحبر الإمام محمد

وعليك يا دنيا السلام فقد خوت … شمس الكمال وغاب بدر السؤدد (?)

وهو يوضح مدى الخسارة العلمية فى أستاذه فقد رفع الحجاب عن العلوم وزفها إلى تلاميذه كفتاة جميلة تفوق فى جمالها الحسان المتلألئات الفاتنات، ويقول من يحل محله للفقه والحديث النبوى ولعلوم البيان والبديع والأصول وتذليل العويص والمشكل فيها. ويعزى الأمة الإسلامية فى مصيبتها به، ويقول: على الدنيا السلام فقد هوت شمس الكمال وغاب بدر المجد والشرف.

(ب) رثاء المدن

عرف الشعر العربى رثاء المدن منذ رمى عبد الله بن طاهر قائد المأمون بغداد بالمجانيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015