أبيدوا عن آخرهم، وأصبحوا عبرة وموعظة لكل معتد أثيم، وحلقت فوق جثثهم النسور وانقضّت عليها انقضاضا. ويقول مفاخرا بشيمه الرفيعة وأجداده (?):
ألقى بصبرى حسام الحادثات ولى … عزم أصدّ به ما قد يلاقينى
ولا أتوق لحال لا تلائمها … حالى ولا منزل اللذّات يلهينى
ولست أرضى من الدنيا وإن عظمت … إلا الذى بجميل الذكر يرضينى
وكيف أقبل أسباب الهوان ولى … آباء صدق من الغرّ الميامين (?)
النازلين على حكم العلا أبدا … من زيّنوا الكون منهم أىّ تزيين
من كل أروع فى أكتاده لبد … كالليث، واللّيث لا يغضى على هون (?)
والعباسى يقول إنه يتدرع أو يتسلّح بصبر أمام جسام الحادثات فلا تنال منه، ويصد بعزمه القوى ما يلقاه من خطوب، ولا يتشوق لحال لا تتفق وحاله، ومنزل اللذات لا يلهيه، بل يكف نفسه عنه، ولا يرضيه من دنياه إلا الذكر الجميل والعمل الحميد ولا يقبل هوانا وكيف يقبل هوانا أو ضيما، وآباؤه آباء صدق من المشهورين ميمونى النقيبة الذين لا ينزلون أبدا إلا على حكم العلا وقد ازدان بهم الكون زينة رفيعة، من كل شجاع على كاهله لبد كأنه ليث حقيقى، والليث لا يغمض عينه ولا يستطيع الصبر على هوان وضيم. وحرىّ بنا أن نترجم الآن ليحيى السلاوى السودانى وعثمان هاشم.
ولد الشيخ يحيى السلاوى السودانى بالخرطوم حوالى سنة 1262 هـ/1846 م وهو ابن عبد الغنى السلاوى قاضى دنقلة الذى مر فى شعراء المديح أنه كان من شعراء المهدى وذكرنا له أبياتا من قصيدة فى مديحه هناك، وكان ابنه يحيى شاعرا مثله، ونراه حين نشبت ثورة عرابى بمصر سنة 1298 هـ/1881 م يطلب من مدير دنقلة ترحيله إلى مصر، ويرفض طلبه، فيبرق إلى محمد رءوف باشا حاكم السودان البيتين التاليين:
مولاى عزّ ترحّلى … وغدوت مقصوص الجناح
فأرش جناحى مثلما … عوّدتنيه ولا جناح
فأبرق رءوف باشا إلى مدير دنقلة بترحيله على نفقة الحكومة إلى مصر، وبمجرد أن نزلها اندمج فى الثورة، وعرف أحمد عرابى أنه شاعر فطلب إليه أن ينظم قصيدة لطبعها ونشرها