جنود العرب والشعوب الإسلامية التى انتظمت فى جيوشهم. وظل ينزلها فى المدن الساحلية بعض اليهود، وهاجر إليها جمهور السكان فى صقلية حين استولى عليها النورمان وكتلة كبيرة من مسلمى الأندلس حين استولى عليها نصارى الإسبان، وجلب إليها قراصنتها كثيرا من نصارى أوربا كما جلب إليها ولاتها العثمانيون حاميات من الانكشارية: ترك وغير ترك، وكل هذه العناصر ذابت فى الجزائر لما تمتاز به من قوة الشخصية.
وأساس المعيشة فى الجزائر زراعة القمح والشعير ورعى الأنعام، وتكثر بها أشجار النّقل والفواكه من كل صنف، كما تكثر الصناعات اليدوية وصناعة الحلى وأوانى الخزف والمنسوجات الكتانية والقطنية والصوفية والحريرية، ومعاصر الزيتون كانت منتشرة فى بلدان مختلفة، ومواد البناء كانت متوفرة، ولذلك كثرت إقامة المدن الجديدة، وكثر على السواحل صيد السمك والحيتان. وازدهرت التجارة واتسع الثراء وجرّ إلى رفه فى الملبس والمأكل والمسكن، حتى لنشعر إزاء تلمسان وبعض المدن أنها متحضرة حضارة حقيقية. ويتمم هذه الحضارة وما طوى فيها من رفه عناية الجزائريين بالموسيقى. وعرفت الجزائر الديانتين النصرانية واليهودية، ولا يكاد يمر نصف قرن-بعد الفتح-حتى يصبح شعبها إسلاميا عربيا، وكانوا سنية على مذهب مالك إلا ما كان من تاهرت وقيام دولة الإباضية فيها لنحو قرن ونصف. وتكاثر فى محيط تلك الدولة المعتزلة وحملوا السلاح ضد الإباضية ولم يكتب لهم النصر. ونشط المذهب الحنفى فى عهد العثمانيين، ولكن عامة الجزائريين ظلت مالكية إلى اليوم. وشاعت فى الجزائر نزعة صوفية، ونزلها بعض أصحاب التصوف الفلسفى الأندلسى وفى مقدمتهم أبو مدين شعيب، غير أن التصوف السنى هو الذى ساد فى الجزائر وانتشرت طريقتاه القادرية والشاذلية.
وكان أول من قام على الحركة العلمية بالجزائر الفاتحون الناشرون للإسلام، إذ كان الجندى الفاتح بمجرد أن يضع قدمه فى بلدة أو قبيلة يأخذ فى تحفيظ معتنقى الإسلام القرآن الكريم أو بعض سوره وبعض كلم العربية فى التخاطب وفروض الإسلام ونوافله. وأخذت الحركة العلمية فى الجزائر تنمو سريعا بفضل الكتاتيب والمساجد وما بها من حلقات الشيوخ حيث تلقى محاضرات فى مختلف العلوم الشرعية واللغوية. وزاد الحركة سرعة فى النمو تأسيس المدارس والزوايا وإنشاء المكتبات فيهما وفى المساجد، وكانت ترعى الحركة العلمية الدول التى نشأت فى الجزائر، الدولة الإباضية فى تاهرت ودولة بنى حماد فى بجاية وقلعتها ودولة بنى زيان أو بنى عبد الواد فى تلمسان، وكان من العوامل القوية فى نشاط الحركة العلمية بالجزائر نزوح الأندلسيين إليها بالآلاف فى القرن السابع الهجرى والحادى عشر. وعرضت علماءها الأعلام فى علوم الأوائل الرياضية والفلكية والطبية وفى الفلسفة وعلم المنطق، وبالمثل