قال: فإن لم يكن فى كتاب الله؟ قال: فبسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم يكن فى سنّة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيى لا آلو، قال: فضرب بيده فى صدرى، وقال: الحمد لله الذى وفّق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله» (?). وقد نما الاجتهاد بعد وفاة الرسول بحكم الفتوح واتساع الدولة، ولم يكن الخلفاء يفتون بآرائهم إلا بعد استشارة الصحابة (?). ومصّرت الأمصار وسرعان ما أخذت تظهر جماعات من الفقهاء فى كل مصر إسلامى تحمل للناس تعاليم القرآن وسنة الرسول، وكانوا إذا عرض لهم أمر لم يجدوا حكمه فى القرآن والسنة اجتهدوا وأفتوا الناس فيه برأيهم.
وفى كل ما قدمنا ما يدل بوضوح على أن الإسلام رفع من شأن العقل الإنسانى إذ جعله الحكم فى فروع الشريعة وحثّه على استكمال سيطرته على الطبيعة وقوانينها، كما حثه على التزود بجميع المعارف. وفتح الأبواب واسعة أمامه كى يجتهد فى مسالك الدين العملية. فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا المسلمين يتحولون مع الفتوح إلى معرفة كل ما لدى الأمم المفتوحة من تراث عقلى، وسرعان ما شادوا صرح حضارتهم الرائعة، وقد مضوا يستخدمون كل طاقاتهم الذهنية فى جميع صور المعرفة دينية وغير دينية. وكان لما أصّله الإسلام من حق الاجتهاد العقلى أثر واسع فى أن أصبح الإسلام نفسه قابلا للتطور، وحقّا أصوله العقيدية زمنية أبدية، ولكنها أصول أسّست على العقل الصحيح وفسحت له فى التشريع.
كان العرب يعيشون فى الجاهلية قبائل متنابذة، لا يعرفون فكرة الأمة إنما يعرفون فكرة القبيلة وما يربط بين أبنائها من نسب، وكل قبيلة تتعصب لأفرادها تعصبا شديدا، فإذا جنى أحدهم جناية شركته فى مسئوليتها، وإذا قتل لها