وانبرى خطباؤها يذودون عن نظرياتهم مؤلّبين الناس على خصومهم. ونشطت نشاطا عظيما خطابة المحافل بين أيدى الخلفاء والولاة. أما الخطابة الدينية فاحتدمت على لسان الوعّاظ والقصّاص احتداما، استطاعوا فى أثنائه أن يتخذوا لأنفسهم أسلوبا جديدا، يرتفعون فيه عن ألفاظ العامة المبتذلة ويهبطون عن ألفاظ البدو الآبدة، أسلوبا يخاطبون به جميع الطبقات فى المراكز المتحضرة التى يختلط فيها العرب بالأعاجم، وقد أقاموه على الازدواج والترادف وتحلية الكلام بالأخيلة والمقابلات، مع العناية بدقائق المعانى وفتق الحيل للتعبير عن خفيّاتها. وقد أخذوا أنفسهم بتعليم شباب البصرة والكوفة كيف يحسنون الخطابة والمناظرة وكيف يتقنون إصابة الحجة، وبذلك كانوا أول من مهّد لوضع قواعد البلاغة العربية.
ونما تدوين المعارف فى عصر بنى أمية، سواء فيما يتصل بمعارف الجاهلية وأخبارها وأنسابها وأشعارها، أو فيما يتصل بالإسلام وكل ما يرتبط به من تشريع وتفسير وحديث نبوىّ وخطوب جسام. وقد مضوا يصنّفون فى المغازى والتاريخ وقصص الأنبياء، وفى المثالب والأمثال والمواعظ، وفى مسائل العقيدة من قدر وغير قدر، وفى الأغانى والمغنين وطبقاتهم. وترجموا رسائل فى الطب والنجوم والكيمياء، ودوّنوا كثيرا من الخطب ومن الرسائل السياسية والوعظية والشخصية. ونهض كتّاب الدواوين بالكتابة عن الخلفاء والولاة والقواد نهضة واسعة، جعلتهم يستعيرون من الوعاظ أسلوبهم الذى وصفناه، وما زالوا يرقون بكتابتهم، حتى وضعوا الرسائل الأدبية الخالصة. والله أسأل أن يهدينى سواء السبيل.
القاهرة فى 15 من يوليه سنة 1963 شوقى ضيف