أوطان جديدة حياة خصبة، ولا أقصد الكوفة والبصرة والشام ومصر فحسب، بل أيضا خراسان التى أهملها مؤرخو أدبنا، مع ازدهار الشعر فيها ازدهارا رائعا.
وقد أخذ الشعراء يخضعون فى كل مكان لمؤثرات مختلفة: بيئية ودينية وحضارية وثقافية واقتصادية. وفى هذه الأثناء كان الموالى يتعرّبون، وسرعان ما أتقنوا العربية وأعربوا بها عن قلوبهم وعقولهم وأعماق وجدانهم. وليس بصحيح ما يردده المستشرقون من أنهم كانوا يختصمون مع العرب فى العصر الأموى، فقد كانت العلاقة بين الجماعتين حينئذ علاقة برّ وتعاون وإخاء.
والكتاب الثانى يبسط كلّ هذه الظروف الجديدة فى حياة الأمة العربية لعصر بنى أمية وكيف اندفع الشعراء فى ظلالها ينهضون بالشعر ويتطورون به فى فنونه وأغراضه، فقد مضى شعراء الهجاء والفخر فى البصرة ينفذون إلى لون جديد هو النقائض التى بثّوا فيها مناظرة عنيفة فى المثالب والمفاخر القبلية.
كان يجتمع لها معاصروهم فى سوق المربد للاستماع إليها والفرجة والمتعة. ومضى شعراء المديح ينفذون إلى لون جديد هو الشعر السياسى الذى صوّر فيه الزبيريون والخوارج والشيعة وغيرهم نظرياتهم فى الحكم وقيامهم من دونها مدافعين. ولكل فرقة من هذه الفرق فى شعرها طوابع تميزه، فبينما يتميز مثلا شعر الخوارج بتصوير استبسالهم فى الحروب وتهافتهم على حياض الموت مستصغرين الدنيا ومتاعها الزائل نرى شعر الشيعة يتميز بكثرة ما ذرفوا على أئمتهم المستشهدين من دموع غزار، مطالبين بردّ السلطان إلى أصحابه الشّرعيين. وقد اضطرمت فنون الشعر اضطراما لا فى المديح والهجاء والفخر فحسب، بل أيضا فى الغزل، فظهر فيه الغزل العذرى بجانب الغزل الصريح، وزكا شعر الزهد، ونما شعر المجون ووصف الطبيعة، ومدّ الرّجّاز طاقة أراجيزهم، وسلكوا فيها الطّرديّات، فهى ليست عباسية-كما كان يظنّ-إنما هى أموية. وتحول نفر منهم بأراجيزه إلى غاية تعليمية للغة وشواذّها وشواردها، حتى غدت-فى بعض جوانبها-كأنها متون للاستظهار والحفظ. وفى كل هذه الفنون والأغراض تعاقبت تراجم الشعراء.
ولعل عصرا عربيّا لم تزدهر فيه الخطابة كما ازدهرت فى عصر بنى أمية بأنواعها السياسية والحفلية والدينية، فقد اشتدت الخصومات بين الفرق السياسية