2 - تعليق

واضح أن الصورة السابقة للأدب الجاهلى إنما تعنى بإبراز خطوطه الأساسية، ومن المحقق أن هناك خطوطا صغرى لا يبرزها البحث، فنحن مثلا إنما تحدثنا عن الشعراء المجلّين، وتركنا كثيرين لم نكد نلمّ بهم إلا بعض اقتباسات من أشعارهم نثرناها نثرا فى بعض الفصول. وإنما تركنا تفصيل الحديث عنهم، إما لأن ما وصلنا من أشعارهم قليل لا يسوّى صورة أدبية تامة لهم، وإما لأن الانتحال باد فى كثير مما يضاف إليهم من أشعار وأخبار. ولنقف قليلا عند أصحاب المعلقات الذين لم نفردهم بالدرس، وهم عمرو بن كلثوم والحارث بن حلّزة وعبيد بن الأبرص وطرفة وعنترة ولبيد، فأما عمرو والحارث فإنهما مقلاّن، وقد تشكك ابن سلام فى شعر عبيد بن الأبرص ولم يصحح له سوى المعلقة وقال إن شعره مضطرب ذاهب (?). أما طرفة فيقول ابن سلام إنه أشعر الناس واحدة (?)، وهى قوله:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد … وقفت بها أبكى وأبكى إلى الغد (?)

وفيها أبدع فى وصف ناقته، إذ لم يترك فيها صغيرة ولا كبيرة إلا رسمها، وكأنه يريد أن ينحت لها تمثالا، لا يغادر ذاكرة الجاهليين. والتصوير والحكمة جميعا يتداخلان فى شعره، وهو من هذه الناحية يشبه النابغة وزهيرا، على أنهما يتقدمانه ويفضلانه. وأيضا فإنه مقل والأسطورة تجرى فى أخباره، ولذلك كله لم نفرده بالبحث. وأما عنترة فقد تحدثنا عنه فى تضاعيف كلامنا عن الفرسان، ولبيد مع أنه لحق الجاهلية عاش طويلا فى الإسلام، فأولى أن يدرس فى المخضرمين.

وقل ذلك نفسه فيمن تركناهم من شعراء الجاهلية غير أصحاب المعلقات، فقد تركنا أوس بن حجر لأن فنه يندمج فى فن تلميذه زهير، ولأن الرواة خلطوا بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015