من القنوات لحمل مياه الأمطار من الجبال كما تكثر من الخزانات والصهاريج والسدود على الوديان لخزن مياه الأمطار وتوزيعها على الزروع. وازدهار الزراعة-حينئذ-جعل القرى والبلدان تكثر فى الأنحاء الشمالية من منطقة طرابلس، كما جعل السكان يزدادون بها زيادة كبيرة.
وإذا كان الفينيقيون والقرطاجيون نزلوا طرابلس قديما قرونا متعاقبة فإن اليونان هم الذين نزلوا برقة قديما على نحو ما يحدثنا هيرودوت فى تاريخه، إذ يذكر أن السكان اليونان ازدادوا زيادة كبيرة فى إحدى جزر بحر إيجة، فأرسلوا فى سنة 650 قبل الميلاد بعثة منهم إلى الشاطئ الإفريقى فى اتجاه برقة لعلها تجد لهم أراضى صالحة للنزوح إليها، ونزلت البعثة فى جزيرة بلاتيا بخليج بمبه شرقى درنة، وبعد سنوات قليلة نزحوا منها إلى الشاطئ الإفريقى، وأسسوا به مدينة سيرين) Cyrene شحات الحالية) غربى درنة، ثم أسسوا أربع مدن أخرى غربيّها، هى على الترتيب) صلى الله عليه وسلمppollonise سوسة الحالية) و) رضي الله عنهarca سميت منذ القرن السادس الهجرى المرج مع أن المنطقة مسماة باسمها: برقة) و) صلى الله عليه وسلمrsimoenoe طوكره الحالية) و) رضي الله عنهerenice بنغازى الحالية) وأطلق اليونان على هذه المدن اسم بنطابلس Pentapolis أى المدن الخمس. وغلب على المنطقة جميعها اسم برقة كما ذكرنا وبالمثل غلب على منطقة ليبيا الغربية اسم طرابلس.
وظلت سيرين تعد مدينة برقة الأولى فى عهد اليونان، ولذلك سموا أراضى الساحل حتى بنغازى باسم سيرينايكا. وعلى نحو عناية الفينيقيين والقرطاجيين والرومان بالتجارة فى طرابلس عنى بها اليونان فى سيرينايكا أو برقة مما جعلها تنشط فى عهدهم بين مدنها الخمس وبين الواحات الداخلية من جهة، وبينها وبين السودان من جهة ثانية، فكانت القوافل التجارية تسير منحدرة وصاعدة بين بنغازى وسيرين فى أقصى الشمال وواحات كفرة وأوجلة وفزان، ويتغلغل بعضها إلى السودان وخاصة إلى دارفور وواداى حاملة من هناك الرقيق وسنّ الفيل وريش النعام والكركم. وكانت برقة على علاقة حسنة مع مصر، وتوطّدت هذه العلاقة بعد موت الإسكندر المقدونى وقيام دولة البطالسة بمصر إذ أصبحت جزءا من دولتهم مما نشّط تجارتها مع مصر إما عن طريق شاطئ البحر المتوسط والإسكندرية، وإما عن طريق الصحراء وواحة سيوة. وتدخل برقة فى حوزة الرومان سنة 96 قبل الميلاد، وبذلك تصبح ليبيا جميعها شرقا وغربا فى نطاق دولتهم الرومانية، ولذلك تلتقى فيها الآثار اليونانية بالآثار الرومانية، وتكثر الأولى فى سيرين (شحات الحالية) حيث ترى بها أطلال لآلهة اليونان ومقابرهم ولمدرجات مسارحهم، وتلك المدرجات سمة دائما لليونان فى كل بلد أقاموا به، وحاكاهم فى ذلك الرومان.
وقد ذكر بنتاءور الشاعر اليونانى فى القصيدة التاسعة من قصائده مدينة سيرين. وأخذت