وخاصة حين يطلب ثأر أو تنشب حرب. وقد تحولوا بجزيرتهم إلى ما يشبه ميدانا حربيا كبيرا، ففى كل مكان عراك وقتال وفى كل مكان دماء تسيل. ولهم حروب مشهورة سجّلها علماء اللغة والأدب فى العصر العباسى كحرب البسوس وحرب داحس والغبراء.
وانتقلت من ذلك أبحث فى حياتهم وأحوالهم الاجتماعية ولا حظت أن مجتمع القبيلة كان يتألف من ثلاث طبقات، هى أبناؤها ومواليها وعبيدها. وكان أهم شئ يشدّ من بنيان هذا المجتمع حرصهم على الشرف وما سموه المروءة، إذ كان كل منهم يحرص على البذل والشجاعة والوفاء وحماية الجار وإباء الضيم. وتخلّلت ذلك آفات، أهمها: الخمر والقمار واستباحة النساء. وقد تأخذ هذه الآفات عند بعض الشباب أمثال طرفة شكل فتوة جامحة. ومن المؤكد أنه كان للمرأة الحرة عندهم منزلة كريمة. ولم تكن معيشتهم واحدة، فقد كانت الزراعة منتشرة فى الجنوب والشرق وواحات الحجاز، وكان أهل مكة يعيشون على التجارة، على حين كان البدو يعيشون على رعى الأغنام والأنعام وصيد الحيوان. وكان بينهم سادة يملكون مئات الإبل وصعاليك لا يملكون شيئا. ومع أنهم كانوا على صلة بالحضارات المجاورة كانوا لا يزالون أقرب إلى طور البداوة، وكان علم الأنساب أهم علومهم، ولم يكن لهم وراءه إلا معارف محدودة تقوم على التجربة الناقصة كبعض معارفهم الطبية والفلكية. وكانت كثرتهم وثنية تتعبّد لآلهة وأصنام وأوثان كثيرة، وكانت الكعبة فى مكة أكبر معابدهم، وكانوا يحجون إليها فى أشهر معلومات. على أن نفرا منهم شكّوا فى أواخر هذا العصر فى دينهم الوثنى والتمسوا دين إبراهيم ويسمّون المتحنّفة والحنفاء وكأنما كانوا إرهاصا لظهور الإسلام والدعوة المحمدية. وكانت النصرانية فى أثناء ذلك تنتشر فى القبائل المحاذية للشام والعراق بينما كان كثير من اليهود ينزلون فى واحات الحجاز وفى اليمن، وتعربت كثرتهم إلا أن العرب ظلوا يزدرونهم وينفرون من دينهم.
ولما تمّ لى بيان هذه الجوانب أخذت أبحث فى اللغة العربية وعناصرها السامية القديمة، ووقفت عند أقدم لهجاتها المشتة فى النقوش، وهى الثمودية واللّحيانية والصّفوية، تلك التى كتبت نقوشها بالخط المسند الجنوبى، ثم اللهجة النبطية،