ومن قوله فيها عن الروضة المقدسة: (قبر الرسول وصاحبيه أبى بكر وعمر) والمنبر الشريف:

«الروضة المقدسة مع آخر الجهة القبلية مما يلى الشرق. . وشكلها شكل عجيب لا يكاد يتأتّى تصويره ولا تمثيله. وجميع سعتها من جميع جهاتها مائتا شبر واثنان وسبعون شبرا، وهى مؤزّرة بالرخام البديع النّحت، الرائع النعت، وينتهى إزار منها إلى نحو الثلث أو أقل يسيرا، وعليه من الجدار المكرّم ثلث آخر قد علاه تضميخ المسك والطّيب، والذى يعلوه من الجدار شبابيك عود متصلة بالسّمك الأعلى، لأن أعلى الروضة المباركة متصل بسمك المسجد. وإلى حيّز إزار الرخام تنتهى الأستار، وهى لازورديّة اللون. . وفى الصفحة القبلية أمام وجه النبى صلى الله عليه وسلم مسمار فضة، هو أمام الوجه الكريم فيقف الناس أمامه للسلام، وإلى قدميه صلى الله عليه وسلم رأس أبى بكر الصديق رضى الله عنه، ورأس عمر الفاروق مما يلى كتفى أبى بكر الصديق رضى الله عنهما، فيقف المسلم مستدبر القبلة ومستقبل الوجه الكريم فيسلّم، ثم ينصرف يمينا إلى وجه أبى بكر، ثم إلى وجه عمر. وأمام هذه الصفحة المكرمة نحو عشرين قنديلا معلّقة من الفضة، وفيها اثنان من الذهب. وعن يمين الروضة المكّرمة المنبر الكريم، ومنه إليها اثنتان وأربعون خطوة، وهو مرخّم كله، وارتفاعه نحو القامة أو أزيد، وسعته خمسة أشبار، وطوله خمس خطوات، وأدراجه ثمانية، وله باب على هيئة الشّبّاك مقفل، يفتح يوم الجمعة، وطوله أربعة أشبار ونصف، والمنبر مغشىّ بعود الآبنوس، ومقعد الرسول صلى الله عليه وسلم من أعلاه ظاهر، قد طبّق عليه بلوح من الآبنوس غير متصل به يصونه من القعود عليه، فيدخل الناس أيديهم إليه ويتمسّحون به تبركا بلمس ذلك المقعد الكريم».

ويسترسل ابن جبير فى وصف المسجد وقبلته وما على جدارها من الفسيفساء بهذا التصوير البارع الدقيق. ويذكر أن المؤذن الراتب فيه من أحفاد بلال مؤذن الرسول رضى الله عنه، ويصف مشاهد المدينة. ويبارحها إلى الكوفة، ويصل إلى بغداد، ويصور بعض المجالس العظيمة لعلمائها ووعّاظها وخاصة ابن الجوزى إمام عصره فى الحديث والوعظ وفى وصف إحدى مواعظه يقول:

«أتى فيها برقائق من الوعظ وآيات بينات من الذكر طارت لها القلوب اشتياقا، وذابت بها الأنفس احتراقا، إلى أن علا الضّجيج، وتردد بشهقاته النّشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، فشاهدنا هولا يملأ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015