هو محمد (?) بن أحمد بن جبير الكنانى البلنسى المشهور باسم ابن جبير، أصل أسرته من مدينة شاطبة، ولد ببلنسية سنة 539 وقيل سنة 540 وسمع فى نشأته من أبيه وعلماء موطنه وأكبّ على دراسة الفقه، وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وطمح إلى العمل فى الدواوين، وألحقه أبو سعيد عثمان بن عبد المؤمن حاكم غرناطة لأبيه عبد المؤمن ثم لأخيه يوسف حتى وفاته سنة 572. وكان عثمان شغوفا بالأدب، وخفّ على نفسه ابن جبير فكان يحضره مجالس شرابه وعبثا حاول أن يقنعه بالشراب معه، إذ كان يعافه تدينا، وذات يوم أقسم عليه ليشربنّ سبعا، ونزل مضطرا عند إرادته وشرب سبع كئوس، فملأ أبا سعيد الكأس دنانير سبع مرات وصبّ ذلك فى حجره، فحملها إلى منزله، وصمم أن يجعل كفارة شربه الخمر الحجّ بتلك الدنانير، حتى إذا كانت سنة 578 باع ملكا له تزوّد به للحج، وفصل من غرناطة فى شوال، وركب البحر فى سفينة لبعض أهل جنوة قاصدا إلى الإسكندرية ونزل بها واتجه إلى القاهرة ومنها إلى قوص بصعيد مصر، ومنها إلى عيذاب حيث عبر البحر الأحمر إلى جدة، وقصد من فوره مكة، وأدى فريضة الحج، وزار القبر الشريف بالمدينة، ثم اتجه إلى الكوفة فبغداد فالموصل وبلدانه. وهو فى كل تلك البلدان يمكث بعض الوقت ويدوّن ما شاهده فيها من مساجد ومدارس وغرائب، ونزل الشام وكان لحملة الصليب فيها مستعمرات، فجاس خلال ديارهم وسجّل كثيرا من أحوالهم. وركب البحر المتوسط من عكا على سفينة مسيحية عائدا إلى موطنه. وألمت السفينة بصقلية فنزل فيها وتجوّل فى بلادها، ورجع إلى السفينة، ونزل منها فى قرطاجنة بساحل الأندلس فى 15 من المحرم سنة 581
ورحلة ابن جبير تقصّ ما شاهده فى البلدان التى زارها ونزل بها فى صورة مذكرات يومية، ومع كل بلدة وكل مشهد التاريخ باليوم والشهر، ويبدو أنه كتبها فى أوراق منفصلة، وكأن الموت عاجله قبل أن يجمعها نهائيا، فجمعها بعض تلاميذه ونشرها بعد وفاته باسم «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار» وآثر من نشروها فى العصر الحديث