ضربا من الخرق فى استخدام الجوارح، يقول معن بن أوس المزنى فى بعض هجائه (?):
إذا اجتمع القبائل جئت ردفا … وراء الماسحين لك السّبالا (?)
فلا تعطى عصا الخطباء فيهم … وقد تكفى المقادة والمقالا
وكثيرا ما كانوا يتزيدون فى جهارة الصوت وينتحلون سعة الأشداق وهدل الشفاه، ومن أجل ذلك قال الرسول صلوات الله عليه: إياى والتشادق، وقال:
أبغضكم إلىّ الثرثارون المتفيهقون (?).
وإذا ذهبنا نستنطق النصوص عن أساليب خطابتهم، وهل كانوا يعمدون فيها إلى الأسلوب المرسل أو إلى الأسلوب المسجّع وجدنا أنفسنا بإزاء تراث متهم لا يمكن الاعتماد عليه فى الاستنتاج، لما قلنا مرارا من أن حقبا متطاولة تفصل بين العصر الذى دوّنت فيه تلك الخطب والآخر الذى قيلت فيه. ومع أن الكثرة الكثيرة من هذه الخطب منتحلة نلاحظ أن من نحلوها الجاهليين إنما قاسوها على أمثلة رويت لهم، فإذا لا حظنا أن أكثر مفاخراتهم ومنافراتهم روى مسجوعا كان معنى ذلك انه ثبت عند من نحلوا الجاهليين هذه المفاخرات والمنافرات أنهم كانوا يسجعون فيها. وتستطيع أن ترجع إلى منافرة عبد المطلب بن هاشم وحرب بن أمية وتحكيمهما لنفيل بن عبد العزّى فى تاريخ الطبرى (?) فستجدها مسجوعة، ومثلها منافرة جرير بن عبد الله البجلى وخالد بن أرطاة الكلبى إلى الأقرع بن حابس، فقد رويت فى شرح نقائض جرير والفرزدق لأبى عبيدة، وهى مسجوعة (?)، ومثلهما منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطّفيل المروية فى كتاب الأغانى، فهى الأخرى مبنية على السجع (?). ويجعل الجاحظ ذلك قاعدة عامة أو كالقاعدة العامة، فيقول: «إن ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة والأقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزّى كانوا يحكمون وينفرون بالأسجاع، وكذلك ربيعة بن حذار (?)»