وهو يقول إنه زار شرق الأندلس، فامتلأ قلبه مما حدث له ولموطنه «شقر» أسى وغمّا فتّته تفتيتا، ولم-ولن-يفتر أو يسكن، وأين شقر؟ وأين نهرها بزرقته وحلله السندسية؟ لقد استولى عليه شقر من الروم زرق العيون مثل زرقة قناته، ويقول:
يا للعجب! لقد كانوا فئة معادية قليلة فسالمهم الواردون على الأندلس، فإذا هم يتكاثرون ويتسع سلطانهم. وإنه ليأمل أن يتوب الدهر مما جناه على أهل الأندلس من عدوان حملة الصليب، ويسترجع طالبا الغفران. ويقول إننا لا نزال نرقب الكرّة على الروم والنصر الذى وعد الله به الإسلام والمسلمين على الكفار وأهل الشرك. ويتوالى بعد ذلك سقوط المدن الأندلسية، فتسقط دانية على المتوسط سنة 643 وجيّان شرقى قرطبة سنة 643 وشاطبة شرقى دانية سنة 644. وإشبيلية سنة 645 ومرسية سنة 664 ويصرخ أبو البقاء الرّندى فى نونية له مشهورة صرخة مدوية، وحرى بنا أن نتحدث بإيجاز عنه وعن ابن الأبار.
ابن (?) الأبّار
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبى بكر القضاعى، كان أبوه من جلّة القرّاء، من أهل حصن أنده من أعمال بلنسية، بارحها إليها واتخذها وطنا له ومستقرا، وبها رزق بابنه محمد سنة 595 للهجرة، وعنى به، فحفظ القرآن الكريم، وأخذ عنه قراءة نافع مقرئ أهل المدينة المشهور، وأكبّ على دراسة الحديث ورجاله والفقه والتاريخ، وأخذ يلتهم كل ما يسمعه عن الشيوخ وخاصة عن إمام بلنسية وقاضيها لعصره أبى الربيع سليمان بن موسى الكلاعى، وكان ابن الأبار يعجب به إعجابا يملأ عليه نفسه، وهو الذى وجهه إلى العناية بالكتابة التاريخية عن أعلام الأندلس، واتخذه الكلاعى صفيّا له، لما رأى من ذكائه النادر، غير أنه طمح إلى العمل السياسى فى دواوين الحكام، ولم يلبث والى الموحدين على