الغائب له، علما منهم بأنه لا بد راجع إليهم ومصيب منهم. ويقول إن مثل هذا الصعلوك المغامر الجرئ، إن يمت تظل ذكراه خالدة لمحامده ومناقبه. ويمضى فيحدثنا عن غزواته وغاياتها، يقول:
أيهلك معتمّ وزيد ولم أقم … على ندب يوما ولى نفس مخطر (?)
ستفزع بعد اليأس من لا يخافنا … كواسع فى أخرى السّوام المنفّر (?)
نطاعن عنها أول القوم بالقنا … وبيض خفاف وقعهنّ مشهّر (?)
ويوما على غارات نجد وأهله … ويوما بأرض ذات شثّ وعرعر (?)
يريح علىّ الليل أضياف ماجد … كريم ومالى سارحا مال مقتر (?)
وهو فى أول هذه الأبيات يستنكر أن تهلك عشيرتى معتم وزيد، وهو قاعد فى الحى، لا يخاطر بنفسه من أجلهما فذلك عار ما بعده عار. لقد خلق لرعاية الضعفاء والهلاّك من قبيلته، وهو لذلك لا بد مقتحم مع رفاقه من الصعاليك الفرسان حمى بعض القبائل ليسوقوا منها ما يشاءون من الإبل السائمة، وهم يهجمون تارة فى الحجاز وتارة فى نجد. وكل ذلك حتى يغنم ما يقدمه لضيفانه، وكم يغنم! إلا أنه لا يبقى على شئ فى يده، فماله مال مقتر أو فقير مقل.
والحق أن عروة كان صعلوكا شريفا، وأنه استطاع أن يرفع الصعلكة وأن يجعلها ضربا من ضروب السيادة والمروءة، إذ كان يستشعر فى قوة فكرة التضامن الاجتماعى وما يطوى فيها من إيثار وبر بالفقراء، فهو لا يسعى لنفسه فحسب، وإنما يسعى قبل كل شئ للمعوزين من عشيرته حتى يدفع عنهم كل ما يجدون من بؤس وشقاء.