وواضح أنه ينتقل من تصوير شحّ هذه الأم بالطعام إلى بيان أنها ليست أمّا حقيقية، فهى صاحبة صعاليك، لا تتخذ الستر ولا تبيت فى الخيام، ولها جعبة سهام، تناضل بها عن أصحابها حين يفجؤهم بعض الأعداء. وما تزال ترعاهم رعاية حمار الوحش لأتنه، حتى إذا دهمهم غزاة أو مغيرون بادرت إلى سهامها، ثم نازلتهم هى ومن معها بسيوفهم القاطعة اللامعة التى تنهل من دمائهم وتعل، فتّرى وكأنها أذناب الحسيل، وهى أولاد البقر المستأنسة. ووقف لايل فى ترجمته للمفضليات عند هذا التشبيه واتخذ منه دليلا على أصل الشنفرى وأنه يمنى حقا، لأن البقر المستأنس كما يقول لم يعرف عند العرب قديما إلا فى بلاد اليمن (?).

ونمضى مع الشنفرى فى القصيدة فإذا هو يحدثنا عن أهداف غارته وأنه كان يقصد بها بنى سلامان، حتى يأخذ بثأره لأبيه ويشفى حقده وغليله، يقول:

جزينا سلامان بن مفرج قرضها … بما قدّمت أيديهم وأزلّت (?)

وهنّئ بى قوم وما إن هنأتهم … وأصبحت فى قوم وليسوا بمنبتى (?)

شفينا بعبد الله بعض غليلنا … وعوف لدى المعدى أوان استهلّت (?)

وإنى لحلو إن أريدت حلاوتى … ومرّ إذا نفس العزوف استمرّت (?)

وهو يصرح بأنه جزى بنى سلامان بما قدمت أيديهم، ويأسى أن يكونوا قومه ولا ينتفعوا به وببأسه، وأن يقعد لهم ويقعدوا له، لما بينه وبينهم من ثأر قديم، ويحدثنا أنه شفى بعض غليله بقتله لرجلين منهم هما عبد الله وعوف، ويقول إنه حلو لأصداقائه مر على أعدائه كأنه الحنظل. وهكذا كانت حياته غارات ومغامرات، حتى أصاب أعداؤه منه مقتلا فقتلوه.

وثالث صعاليك الجاهلية المشهورين عروة بن الورد العبسى (?)، وكان أبوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015