إن الذى روّضه على الصعلكة وقطع الطرق تأبط شرا، فكان يغير معه، حتى صار لا يقام لسبيله (?). وما زال يغير على الأزد، وينكل بها، حتى قتل، فيما يقص الرواة، تسعة وتسعين، انتقاما لأبيه، وأخيرا يرصدون له كمينا، فيقع فيه، ويمثلون به تمثيلا فظيعا، يقطعون فيه جسده تقطيعا، ويرمون به للسباع، ويقال إن رجلا عثر بجمجمته، فعقرته، فمات. وبذلك يبلغ قتلاه من الأزد مائة.
وخيوط الأسطورة واضحة فى مقتل الرجل المكمل للمائة، وتلعب هذه الخيوط فى أخباره جميعا كما تلعب فى أخبار تأبط شرا رفيقه.
وللشنفرى ديوان شعر صغير طبع فى لجنة التأليف والترجمة والنشر بمجموعة الطرائف الأدبية، ومما اشتهر له لامية العرب، وهى مما نحل عليه، فقد نصّ الرواة على أنها من صنع خلف الأحمر (?)، وقد أحكم صناعتها وساق فيها اسم موضع فى جنوبى اليمن هو إحاظة ليدل على أن قائلها كان يتجول فى هذه الأنحاء، وحتى يكون ذلك أدعى إلى تصديقها والثقة بها. وهى تصور تصويرا حيّا حياة الصعلوك الجاهلى وروحه البدوية الوحشية. وبجانب هذه القصيدة المنتحلة نجد له قصيدته التائية الطويلة التى رواها المفضل فى مفضلياته، «ثم مجموعة من المقطوعات. ويبدو فى أشعاره على شاكلة تأبط شرا هزيلا نحيلا يلبس ثيابا بالية ونعالا ممزقة. ولو لم يصلنا إلا تائيته لكان ذلك كافيا فى تصور حياته ومغامراته، وقد سبق أن تمثلنا بأبيات منها فى وصف زوجته أميمة نعتها فيها بأخلاقية مثالية ممتازة، ثم مضى يصف غارة أغارها على بنى سلامان فى جمع من رفاقه الصعاليك وعلى رأسهم تأبط شرا، ونراه فى مستهل وصفه يحدثنا أنه كان يقودهم ويعرفنا بالطريق الذى سلكوه، وأنهم كانوا راجلين، يقتحمون الصعاب، غير هيابين ولا وجلين، يقول:
وباضعة حمر القسىّ بعثتها … ومن يغز يغنم مرّة ويشمّت (?)
خرجنا من الوادى الذى بين مشعل … وبين الجبا، هيهات، أنشأت سربتى (?)