وازدهر الطب فى الأندلس-مثل علوم الرياضة والفلك-ويقول ابن جلجل إنه لم يكن للنصارى الإسبان بصر بالطب ولا بالهندسة والفلسفة حتى عهد عبد الرحمن الأوسط (?) (206 - 238) ويمكن أن نعمم ذلك فى الأندلسيين بعامة، كما مرّ بنا آنفا، فإنهم انتظروا فى ذلك كله حتى جلب لهم هذا الأمير علوم الأوائل من بغداد والمشرق. وكان أول من اشتهر ببراعته فى الطب لعهد ابنه الأمير محمد (238 - 273 هـ) طبيب يسمى حمدين (?) بن أبان وكان-كما يقول ابن جلجل-طبيبا حاذقا، ووفد على قرطبة حينئذ طبيب من المشرق يسمى الحرانى (?) اشتهر بدواء لأوجاع الجوف سماه المغيث، ويذكر ابن جلجل فى عهد الأمير عبد الله بن محمد (275 - 300 هـ) طبيبا يسمى إسحق وآخر يسمى ابن ملوكة (?). ثم أخذ علم الطب فى الازدهار لعهد عبد الرحمن الناصر (300 - 350 هـ) إذ كثر دخول الكتب الطبية من المشرق إلى الأندلس، ومن الأطباء الذين اشتهروا فى صدر دولته يحيى (?) بن إسحق الطبيب السالف، وكان يعالج بنات الناصر وجواريه، وله فى الطب كتاب فى خمسة أسفار. ومن أطباء العيون حينئذ سليمان (?) بن باج، وكان يعاصره سعيد (?) بن عبد الرحمن ابن أخى عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد، توفى سنة 342 وكان حاذقا فى علاج الحميات، وله كتاب فى الصيدلة. ومن الأطباء لعصر المستنصر (350 - 366 هـ) أحمد (?) بن يونس وأخوه عمر وكانا قد رحلا إلى المشرق سنة 340 وتتلمذا لثابت بن سنان بن قرة الطبيب المشهور ببغداد وقرآ عليه كتاب جالينوس، واختلفا إلى ابن وصيف الحرانى وأخذا عنه علاج أمراض العيون، وعادا إلى قرطبة سنة 351 فاستخلصهما المستنصر لنفسه، وتوفى عمر، وظل المستنصر حفيا بأحمد وأسكنه قصره بمدينة الزهراء وكان ماهرا فى علاج أمراض