اضطراما شديدا لا بين العرب المضرية واليمنية فحسب، بل أيضا بين العرب أنفسهم والبربر وكانت قد اندلعت العصبية بينهما فى المغرب، واضطر هشام بن عبد الملك أن يرسل جيشا ضخما بقيادة كلثوم بن عياض القشيرى وابن أخيه بلج بن بشر لإخماد ثورة ضارية للبربر، فهزم الجيش مرارا، واضطرت قوات منه تبلغ عشرة آلاف كان يقودها بلج بن بشر أن تلجأ إلى مدينة سبتة، وحاصرها البربر وأصابها جوع قاتل فكاتب بلج بن بشر والى الأندلس أن يسمح له بدخولها مع جنده، فتردد، وكان قد تطاير شرر كثير من فتنة البربر بالمغرب إلى إخوانهم فى الأندلس لإبعاد العرب لهم عن أداة الحكم ولما ينزلونه بهم من عسف، فثاروا فى بلدان كثيرة هناك وخشى الوالى مغبة ذلك فسمح لبلج بن بشر أن يدخل الأندلس سنة 123 بآلافه العشرة. وتعاون مع الوالى فى القضاء على ثوراتهم، مما جعلهم يتنادون-وخاصة فى شمال البلاد-بالرجوع إلى موطنهم فى المغرب. وكانت من البربر كثرة فى جليقية وحوض نهر الدّويرة وفى الأراضى الواقعة شمالى نهر تاجه، فتركوا تلك الديار جميعا تنعى أهلها، وكان لهذه الهجرة البربرية الجماعية أسوأ الأثر على مستقبل الإسلام لا فى الأندلس وحدها بل أيضا فى ساحات الجهاد والفتوح خلف جبال البرينية فى غالة، فقد توقف هذا الجهاد، وليس ذلك فحسب، إذ ضاعت جليقية وأراضى حوض نهر الدويرة أو أشرفتا على الضياع، فقد تركها المغاربة لنصارى الشمال، وأوشك أن يكون ما تركوه وخسره الإسلام نحو ربع إيبيريا، تركوه للنصارى دون حرب أو ما يشبه الحرب، ليتجمع النصارى فيه ويعمروه ويغيروا على المسلمين منه طوال القرون التالية ويخرجوهم من ديارهم وفردوسهم الأرضى.

ولم يلبث بلج بن بشر أن اشتبك بعد ذلك مع جنوده الشاميين فى حروب مع والى الأندلس وجنوده من العرب الفاتحين، وسموا أنفسهم البلديين تمييزا لهم من هؤلاء الشاميين الطارئين. وانتصر بلج ولم يلبث أن توفى وعادت الحرب جذعة بين العرب الشاميين والعرب البلديين ومن انضم إليهم من البربر المستقرين فى الأندلس إذ كانوا يرون أنفسهم-مثل العرب البلديين-أحق بالأندلس وخيراتها. وهاجت الفتن والحروب بين الفئتين، وولى-من قبل والى المغرب-أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبى، وحاول أن يعيد إلى الأندلس الهدوء والنظام، غير أنه أفرط فى التعصب لقومه من كلب واليمنية ضد القبائل المضرية والقيسية ونشبت فتنة ضارية، فخلع سنة 128، ولم تهدأ البلاد، فقد احتدمت الفتنة بين اليمنية والمضرية وأيضا بين العرب الشاميين والبلديين، واستطاع الصميل بن حاتم زعيم المضرية أن يضم تحت لوائه قومه ومعهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015