إذا أقبل القرن الخامس الميلادى وأقبلت معه غارات المتبربرين من الألمان وغيرهم على الدولة الرومانية الغربية وقضت عليها كان من سابقيهم إلى إسبانيا قبائل، الوندال وزحزحتهم إلى الجنوب قبائل ضخمة من القوط وسمّى باسمهم: «قاندالوسيا» وعرّب الفاتحون من العرب هذا الاسم إلى الأندلس وسموا به جميع إيبيريا من الجنوب إلى أقصى الشمال. وظل القوط يحكمون البلاد متخذين طليطلة-كما اتخذها الرومان- عاصمة لهم، ونزلها فى عهد القوط يهود كثيرون، وازداد عددهم بها حتى كانت لهم مدن خاصة بهم مثل أليسانة قرب قرطبة وكثروا فى إلبيرة وغرناطة.
وأضاف الفتح العربى إلى هذه العناصر البشرية الكثيرة فى المجتمع الإيبيرى عناصر جديدة آسيوية من العرب وإفريقية من البربر. وكان عدد العرب فى الفتح لا يتجاوز ثمانية عشر ألفا، وسموا باسم البلديين تمييزا لهم من فوج عربى نزل الأندلس سنة 123 للهجرة مع واليها بلج بن بشر القشيرى، وكان تعداده عشرة آلاف وسموا باسم الشاميين تمييزا لهم من البلديين، ونزلها فى سنة 125 للهجرة مع واليها أبى الخطار حسام بن ضرار الكلبى فوج عربى ثان، وسمع العرب بخيراتها فارتحل إليها كثيرون منهم.
وكانت كثرة الفاتحين من البربر حتى إذا تم الفتح أخذت بعض القبائل والعشائر البربرية تهاجر إلى الأرض الجديدة واتخذوها سكنا ومقاما لهم. وبجانب البربر والعرب نجد عنصرا ثالثا فسح له حكام الدولة الأموية فى الأندلس والمقام بها منذ أفضى زمام تلك الدولة إلى الحكم الربضى (180 - 206 هـ) إذ استكثر من شراء الصقالبة، وهم رقيق أوربى كان يخصى ويباع، وأصل نشأته فى بلغاريا شرقى أوربا، ولذلك قيل له صقلبى، وعم الاسم فى الأندلس الرقيق الأوربى جميعه من ألمانيا وغير ألمانيا. وكان حكام الدولة الأموية يشترون هؤلاء الصقالبة شبانا ويدخلونهم فى الإسلام ويعلمونهم العربية وآداب المجتمع الأندلسى ويدربونهم على الفروسية واتخذوهم حرسا وخدما فى قصورهم، وألحقوا نفرا منهم بجيوشهم وازدادوا حتى بلغوا أكثر من ثلاثة عشر ألفا فى عهد عبد الرحمن الناصر، وسنراهم يستقلون ببلنسية ودانية والمرية فى عهد ملوك الطوائف.
وواضح أنه شاركت فى التكوين البشرى لإيبيريا أجناس كثيرة منها الآسيوى والإفريقى والأوربى، وبذلك أصبحت فى دمائها القارات القديمة الثلاث، مما حال دون قيام وحدة سياسية فيها، إذ أخذ كل إقليم من أقاليمها يشعر أن له وجودا ذاتيا وأن من حقه التمتع بالاستقلال، ومن ينظر إلى خريطتها اليوم يرى فيها أمتين مستقلتين تمام الاستقلال: الأمة الإسبانية والأمة البرتغالية، ولكل منهما نظامها السياسى الخاص.