تحدثت فى هذا الجزء عن تاريخ الأدب العربى بمصر فى عصر الدول والإمارات، ورأيت أن أضم إلى العصر ما سبقه بها منذ الفتح العربى من مختلف شئونها التاريخية والأدبية والعلمية على مر الأزمنة الإسلامية، وأوضحت كيف أن قبط مصر رحّبوا بالعرب لما كفلوا لهم من معتقداتهم الدينية وما رفعوا عنهم من ظلم الروم وضرائبهم الفادحة. وتولى أمرها فاتحها العظيم عمرو بن العاص، وتعاقب الولاة عليها فى زمن الأمويين وأخذوا يفرضون على أهلها ضرائب استثنائية، وأمر الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز برفعها عن كواهلهم.
وتتحول الخلافة إلى العباسيين ويرسلون إلى مصر بولاتهم حتى إذا انتصف القرن الثالث وليها أحمد بن طولون وأسس بها الدولة الطولونية، واستشعرت مصر فى عهدها استقلالها، وبالمثل فى عهد الدولة الإخشيدية. وما يكاد ينتصف القرن الرابع حتى تتولاها الدولة الفاطمية الإسماعيلية، ويظل المصريون منصرفين عنها وعن مبادئها الشيعية المتطرفة، وتضعف دولتهم وينزل الصليبيون الشام، ويؤسسون دولة لهم فى بيت المقدس. ويدور الزمن دورات وتسقط الدولة الفاطمية، ويتولى مصر صلاح الدين الأيوبى، وينازل حملة الصليب ويسحق جموعهم سحقا فى حطّين وغير حطين، ويسير سيرته خلفاؤه من حكام الدولة الأيوبية فى ضربهم الضربات الماحقة، ويخلفهم المماليك فيسحقون جموع المغول فى عين جالوت سحقا ذريعا، ويطردون حملة الصليب نهائيا من الشام إلى البحر المتوسط وما وراءه.
ويستولى العثمانيون على مصر لمدة ثلاثة قرون وتصبح بعد أن كانت دولة عظيمة ولاية تابعة للدولة العثمانية.
وقد أتاحت الزروع والبساتين على ضفاف النيل رخاء واسعا لسكّان مصر من قديم.
وأعطى هذا الرخاء لحكامها منذ ابن طولون الفرصة واسعة لبناء البيمارستانات والجوامع الكبيرة والقصور الفخمة. وأتاح ثراؤها الضخم للدولة الفاطمية حياة مترفة بالغة الترف كما أتاح لصلاح الدين أن يعدّ جيشه بل جيوشه لضرب حملة الصليب ضربات قاصمة، وأيضا فإنه بنى بالقاهرة قلعته المشهورة ومارستانا كبيرا سوى ما شيّد من المدارس. وتزدهر الحياة